أيها الغارقون في الشهوات الذين تحبون الملذات! أقبلوا، فروا إلى الله ستجدون لذة المناجاة، وحلاوة الطاعة، وسرور الدعوات، ودمعة السجود في الخلوات أفضل من الدينا وما فيها؛ لأن ذلك هو سعادة القلب وسرور النفس، وهو أعظم من كل ما تجدونه في الأزواج والأولاد والأموال؛ لأن لذة الطاعات هي التي تخلص إلى القلب والنفس فيكون لها أثرها المحمود.
أيها الجاهلون! الذين لا تعلمون شيئاً من كلام الله ولا من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا تعرفون الله بذاته وأسمائه وصفاته كما عرفها لكم في كتابه، لأنكم منقطعون عن العلم لا تسمعونه، لا تقرءونه، لا تطلبونه، وتنشغلون بكل شيء من اللهو! فروا إلى الله بالعلم به، والتذكر له، والإقبال عليه، والمعرفة له بكتابه، وبما جاء في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
أيها المسوفون الذين يمدون الأمل طويلاً طويلاً! فروا إلى الله باليقين بأن الأجل يقطع الأمل ويعترضه، فتعود الآمال كلها متبددة، ينبغي لنا أن نعيش ذلك، وأن نستشعره، وأن يكون صورة ذلك الفرار إلى الله قلباً معلقاً بالله، وعيناً دامعة من خشية الله، ولساناً رطباً بذكر الله، وأقداماً ساعية لمرضاة الله، وأيدي عاملة بأمر الله، وحياة مغمورة معمورة بكل ما يرضي الله؛ ليكون من وراء ذلك قلب مطمئن بالله، ونفس راضية بقضاء الله، وجوارح معافاة بأمر الله، وبركة في الرزق والمال من فضل الله، تتحول الحياة كلها من جحيم إلى نعيم، من شقاوة إلى سعادة، من ضيق إلى سعة:{وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى}[طه:١٢٤ - ١٢٦].
ينبغي لنا أن ندرك أن هم قلوبنا، وضيق صدورنا، وكدر عيشنا، وغم حياتنا إنما هو لأننا لسنا مع الله كما ينبغي، فإن فعلنا ذلك كان الأمر على غير ذلك بإذن الله عز وجل، ولذلك ينبغي لنا أن نعلق في هذه الأيام الأمل فيما بقي منها، فإن فيها خيراً كثيراً، وإن فيها فرصة عظيمة، لا ينبغي أن يكون فيها شيء من غفلة، ولا كسل، ولا تراخي، ولا انشغال بغير مرضاة الله وطاعته.
لا تقل لي: قليلاً من هنا وقليلاً من هنا، فإن الوقت أعظم وأجل، وإن الخطب أكبر وأدهى من أن يقبل مثل هذه الشركات، لا بد لنا من حرص تام وإقبال عظيم يمثل هذه الصورة في الأمر الرباني الكبير:{فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ}[الذاريات:٥٠] لو أن النذير وراءنا كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: (لو أخبرتكم أن خيلاً ببطن هذا الوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي؟ قالوا: ما جربنا عليك كذباً، قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب أليم)، وقال صلى الله عليه وسلم:(بعثت أنا والساعة كهاتين، وجمع بين الأصبعين) كم مقدار تلك المسافة؟ نعم زادت مئات وآلاف من الأعوام لكنها في عمر الزمان قليلة، وكل أحد بانتهاء حياته وإقبال مماته، تلك هي الحقائق التي نغفل عنها ولا نكاد نتذكرها، لا تحيا بها قلوبنا، ولا تتأثر بها نفوسنا، قد تتكلم بها ألسنتنا كما أتكلم، لكننا والحال إلا من رحم الله ليست كما ينبغي أن يكون في حقيقة بواطننا، وفي ظواهر أعمالنا وأحوالنا.
نسأل الله عز وجل أن يردنا إلى دينه رداً جميلاً، وأن يعيننا على طاعته ومرضاته، وأن يحسن ختام شهرنا، وأن يمن فيه علينا بالمغفرة والرضوان، والعتق من النيران، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.