للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حامل القرآن متبع لأفضل الخلق من الملائكة والبشر]

خامساً: المتابعة الشريفة.

عندما تتمسك بكتاب الله عز وجل فإن أسوتك جبريل عليه السلام، وأسوتك محمد صلى الله عليه وسلم، وسلفك أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وأبي بن كعب وزيد بن ثابت، والكوكبة العظيمة الشريفة من صحب النبي صلى الله عليه وسلم، وتكون سلسلتك متصلة بالأئمة الأعلام والعباد والزهاد والأتقياء والصلحاء، فإنك في الحقيقة تسلك طريقاً قد سبقك إليه الأشراف والأطهار، بل سبق إليه الرسل والأنبياء والملائكة المقربون! فهذا نبينا صلى الله عليه وسلم كان يتدارس القرآن مع جبريل عليه السلام، فإذا تدارست القرآن فتذكر تلك المدارسة التي ليس في الدنيا أشرف منها؛ فهي مدارسة بين أمين الوحي جبريل وبين خاتم الرسل محمد صلى الله عليه وسلم، فما أعظم هذه المتابعة، وما أشرف هذه السلسلة.

وانظر إلى آثار كثيرة، وأحاديث عديدة تبين لك أن الاشتغال بالقرآن هو اشتغال بما اشتغل به الذين قد بلغوا الرتبة العالية والمنزلة الرفيعة والقرب من الله عز وجل.

عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه سمع رجلاً يقرأ القرآن في المسجد، فقال: يرحمه الله! لقد أذكرني كذا وكذا من سورة كذا)، ولم يكن القارئ يقصد المراجعة ولا المدارسة مع النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف بمن يقصد ذلك ترداداً وتذكيراً وحفظاً ومراجعة ومدارسة؟! فهذا رجل دعا له النبي صلى الله عليه وسلم لأنه أحيا وقته، وأحيا بيت الله عز وجل بتلاوة القرآن قال: (يرحمه الله! لقد أذكرني كذا وكذا من سورة كذا)، والحديث في صحيح البخاري في باب: (نسيان القرآن، وهل يقول: نسيت آية كذا وكذا)؟ واعلم أنك عندما تثني ركبتيك في حلق القرآن، وعندما تتأدب بين يدي حافظ القرآن الذي يعلمك ترتقي بهذا إلى شرف عظيم، وتصعد إلى رتبة عليا، فهذا ابن مسعود رضي الله عنه يقول: لقد أخذت من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعاً وسبعين سورة، والله! لقد علم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أني من أعلمهم بكتاب الله، وما أنا بخيرهم.

ويقول شقيق صاحب ابن مسعود رضي الله عنه: فجلست في الحلق أسمع ما يقولون -أي: عن ابن مسعود - فكان القول ما قال أي: في عظيم منزلته وعلمه بكتاب الله عز وجل.

وعن سليمان بن يسار -كما في مصنف ابن أبي شيبة -: أن عمر رضي الله عنه انتهى إلى قوم جلوساً يقرئ بعضهم بعضاً، فلما رأوا عمر سكتوا، فقال: ما كنتم تراجعون؟ قالوا: كنا يُقرئ بعضنا بعضاً، قال: اقرءوا ولا تلحنوا.

فلقد كانت سُنّة ماضية ونحن على إثرها سائرون، حلق ومدارسة، وحفظ ومذاكرة، فما أجلّها من متابعة، وما أعظمها من موافقة.

وفي حديث مسروق عن عائشة رضي الله عنها عن فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم قالت: (أسر إليَّ النبي عليه الصلاة والسلام: أن جبريل كان يعارضني بالقرآن كل سنة، وإنه عارضني العام مرتين، ولا أراه إلا قد حضر أجلي).

ونعلم أيضاً قصة ابن مسعود رضي الله عنه لما طلب النبي عليه الصلاة والسلام منه أن يقرأ عليه القرآن، فقال ابن مسعود متعجباًً: (أقرأ عليك وعليك أنزل؟! قال: نعم، فإني أحب أن أسمعه من غيري)، فلا تستكثرن ذلك ولا تأنفن منه، ولا يكونن أحد ممتنعاً أن يسمع القرآن ممن هو أدنى منه، فلقد طلب النبي الكريم عليه الصلاة والسلام ذلك من ابن مسعود رضي الله عنه (فقرأ عليه من أول النساء حتى بلغ قوله عز وجل: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً} [النساء:٤١] قال: حسبك! حسبك! قال ابن مسعود: فالتفتُّ إليه فإذا عيناه -صلى الله عليه وسلم- تذرفان بالدموع).

وفي حديث أنس المتفق عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـ أبي بن كعب: (إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن)، فانظر -رعاك الله- هذه المتابعة الشريفة، والقدر العظيم، فإن الوحي ينزل على محمد صلى الله عليه وسلم بأن يقرأ على أبي رضي الله عنه القرآن، قال أبي: (آلله سماني لك؟! قال: نعم، قال: وقد ذكرت عند رب العالمين؟! قال: نعم، فذرفت عيناه) وحُقّ له أن يبكي رضي الله عنه وأرضاه.

فاعلم يا حامل القرآن! ويا متعلم القرآن! ويا مدرس القرآن! أنك في هذه المتابعة تنال أعلى أوسمة الشرف، فإذا سار الناس شرقاً وغرباً فأنت تسير في إثر محمد صلى الله عليه وسلم، وتعمل عمل أصحابه، وتجلس مجالس الصالحين والعابدين والمتقين لله رب العالمين.