[ضرورة التكامل بين أصناف الناس في جانب العلم والدعوة]
الأمر السادس: ينبغي ألا يكون هناك حرب بين الفريقين بل تكامل، والأصل أن كلاً منهما لابد أن يحصل قسماً آخر، فليس هناك داعية يدعي أنه يدعو بلا علم، وليس هناك عالم أبداً يقول: إنه يتعلم لا للدعوة ولا للإرشاد، بل يتعلم لتحصيل المعلومات وحفظها، كلا.
فلذلك الأصل أن العالم هو الداعي، وأن الداعي هو العالم، كذلك ينبغي ألا نجعل هذا مسار صراع ونزاع، بل ينبغي أن نجعله مسار تعاون وتكامل، وبعض الشباب من قد بلغ من العلم مبلغاً جيداً فليفض من علمه على إخوانه، ومن كانت له تجربة في سياسة النفوس والتلطف مع الناس، وله الأساليب في مداخل الكلام، وله القدرة على مصابرة أذى الناس والاحتمال بمشكلاتهم، وعنده القدرة على تربية الأطفال، فليعلم ذلك الذي حفظ ودرس وعلم، وهناك نماذج كثيرة في حياة السلف، وحتى في أوقاتنا المعاصرة، فإنني أعلم بعض من أتقن علماً من العلوم وتهيأ له وإذا به يدرس في الجامعة، وإذا بشيخه وأستاذه الذي يدرسه في الجامعة في كلية شرعية يطلب منه أن يتعلم على يديه ذلك العلم الذي لم يأخذه، وهنا يحصل التكامل، لم يستنكف من تقدم في الدعوة وليس عنده حظ من العلم أن يجلس إلى قرين له أو شيخ كبير عالم، أو حتى إلى من هو أدنى منه في العمر وكان أكثر منه في العلم؟! لماذا لا يكون الذي حصل بعض العلم من الشباب يستفيد من تجربة من ذكر ووعظ وأرشد وعرف أحوال الناس، وعرف كثيراً من مفاسدهم، وألواناً من تقصيراتهم؟ لابد أن نجعل هذا مجال تكامل وتعاون، إذا كان هذا الأمر على هذا النحو استفاد كل فريق من الآخر، وحصلت المصلحة المرجوة للأمة، وانتفع المجتمع انتفاعاً كبيراً كاملاً، فليس هناك فصام ولا تنافر كما يسمى بين الدين والدولة، وكذلك لا يوجد فصام وخصام بين العلم والدعوة، وإن كان بعض الناس يردد ويقول: إن كثيراً من العلماء لا يعرفون الواقع ولا يعرفون حال الناس، ولا يؤثرون أمر الدعوة، نقول: هذا على إطلاقه باطل، وكل الإطلاقات الكلية الجزافية يغلب عليها أنها غير صحيحة، ولا يقال كذلك: إن هناك دعاة قد هدى الله على أيديهم فئاماً من الناس، وصلحت بهم أحوال كثير من المجتمعات وهم جهلة؛ لأن الجاهل لا يصلح حالاً، ولا يستقيم بجهله الناس مطلقاً، لكن قد يكون عنده حظ من ذلك، وإنما المقصود أن يكمل نقصه، وكل إنسان ناقص، حتى من كان في أمر التذكير والإرشاد قد بلغ مبلغاً كبيراً فإنه ناقص فيه وناقص في غيره، ومن بلغ في العلم مبلغاً جيداً فإنه ناقص فيه وفي غيره، فلماذا لا نجعل هذا مجالاً لاستكمال النقص عند أهل الخير والصلاح من هذه الأمة، فإن العلماء هم ورثة الأنبياء، وإن العلماء والدعاة هم زبدة هذه الأمة وخيرها، وهم ملح البلد، من يصلح البلد إذا الملح فسد.
إذاً: لابد أن يعلم الذين يسيرون في طريق الدعوة أن هذا السير بلا زاد من العلم لا شك أنه سير لا يكمل ولا يعطي ثماره المرجوة، ولابد أن يعلم سالك طريق العلم أنه إنما يحصل العلم؛ ليدعو إلى الله عز وجل، وليعلم الناس أمور الخير، ويزجرهم عن أمور الشر، ويكون آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر.
وحسبنا في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم المثال الأعظم في ذلك، وحسبنا في سيرة أعلام الأمة وعلمائها وأئمتها من ضربوا المثل الأعظم في كل هذا، وفيما هو أعظم من هذا.
ولست بمستقص ولكن أذكر ابن المبارك رحمة الله عليه ورضي الله عنه كان تاجراً غنياً ثرياً ومجاهداً فارساً مغواراً، وحاجاً عابداً متألهاً، وعالماً معلماً ومذكراً ومرشداً، وداعية وواعظاً ومنبهاً، وجمع أموراً من الخير عجيبة وفريدة.
وانظر إلى ابن تيمية رحمة الله عليه كان عالماً يدرس الناس ويبين الأخطاء ويرد على المبتدعة، فلما جد الجد ودعا داعي الجهاد كان في مقدم الصفوف رحمة الله عليه.
وهكذا انظر إلى سير علماء الأمة فإنك تجد هذا واضحاً جلياً.
فالله أسأل أن يجعلنا من أهل العلم والدعوة، وأن يسلك بنا سبيل طلب العلم النافع الصحيح المشروع المفيد، وأن يسلك بنا طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن يوفقنا بإذنه تعالى لما يحبه ويرضاه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.