[الجهاد طريق إلى الجنة]
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم واقتفى أثرهم ونهج نهجهم إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون! أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله، فإن تقوى الله أعظم زاد يقدم به العبد على مولاه، وهذه فريضة التقوى، وهذا شهر التقوى، وما لم نذكره من تعلق الصوم برمضان كثير وجدير بالعناية والاهتمام؛ فشهر رمضان شهر القرآن، والقرآن هو الطريق إلى الجنان، وشهر رمضان فيه من الخصائص الأخرى ما له تعلق بهذا الأمر، غير أني أقف الوقفة الأخيرة في هذا المقام حول طريق آخر للجنة.
فإن من أعظم ما ينال به العبد المؤمن المراتب العليا في الجنان هو الجهاد في سبيل الله، والاستشهاد في سبيل الله، ولعلي هنا إنما أريد أن أذكر نفسي وإخواني بأن من إخواننا المسلمين المؤمنين من يجمعون من الخير أكثر مما نجمع، ومن لهم رغم ما في أحوالهم من الشدة والكرب العظيم ما قد يكونون به في خير أكثر وأعظم منا؛ ما قولكم فيمن يجمع بين صيام وشهادة؟ أفلسنا في كل يوم نسمع عن إخواننا في أرض فلسطين ذاك يقتل، وذاك يهدم بيته فوق رأسه؟ يمضون إلى الله عز وجل إن شاء الله شهداء صائمين فيكون فطرهم عند الله في الجنة، أفليس هذا أمراً جديراً بعنايتنا ورعايتنا؟ أفلسنا نتذكر أحوال غيرنا من إخواننا ونحن في أمن عظيم، وفي نعمة كبيرة، وأحوال كثيرة تجعلنا قادرين على أن نفعل وأن نبذل ما قد لا يتاح لغيرنا؟ أذكر فقط بعض ما هو منشور من الأحوال والأخبار عن بعض الأسر المسلمة في فلسطين، وهي تصوم هذا الشهر بعد أن فقدت قبله بأيام أو أشهر قليلة عائلها وربها والقائم على شئونها، هل فكرنا ما هي أحوال الصغار من الأبناء والبنات؟ ما هي أحوال الزوجات المكلومات؟ والأمهات الثكالى؟ هل نفكر في ذلك؟ لنستمع لقصة واحدة: عبد الله السبع سبع من السباع الفلسطينية القوية الفتية، حاصره اليهود عليهم لعائن الله وهم يريدون منه أن يخرج حتى يهدموا بيته، لكن أبت عزة إيمانه، وحمية إسلامه، ونخوة نفسه، وقوة بدنه إلا أن يجابههم حتى خر شهيداً بإذن الله عز وجل، دفاعاً عن عرضه وماله وداره، وقبله بأحد عشر يوماً فقط كان ابنه الأكبر مصعب قد مضى شهيداً على أيدي اليهود الخونة المجرمين عليهم لعائن الله، واستقبلت الزوجة الفاقدة لزوجها وابنها الأكبر هذا الشهر وهي تروي قصتها وتقول: في أول ليلة من الليالي التي أعلن فيها عن قدوم رمضان، وقبل أن نتناول السحور قدم إلي الأبناء وعانقوني وهم يبكون يتذكرون رمضان الذي مضى بوجود أبيهم وأخيهم الأكبر، ثم لها ابنة صغيرة في السابعة من عمرها عندما جاءوا إلى الإفطار في أول يوم جعلت تنظر إلى بقية إخوانها وينظرون إليها، ثم يبكي الجميع تذكراً لأولئك الراحلين المفقودين.
هل نفكر أيها الإخوة ونحن نجتمع مع أسرنا على ما لذ وطاب من الطعام مع كثير من الإسراف والتبذير، أحوال إخواننا هناك أو في العراق أو الشيشان أو غيرها من البلاد التي يلقى فيها إخواننا الضر والأذى، ويواجهون فيها الظلم والبغي والعدوان على أيدي أعداء الله وأعداء دينه من اليهود وأحلافهم وغيرهم ممن يتعاون معهم؟ أليس ذلك كله جديراً بأن نعلم أن من الطرق الموصلة إلى الجنة الإنفاق في سبيل الله، وبذل المعروف، وإغاثة الملهوف، وأن هذه الأحوال ينبغي أن لا تنسينا أننا جزء من هذه الأمة، وأننا فرع منها، وأن كل فرد منا إنما هو بهذا الكيان العظيم وتلك الأمة العظيمة.
أيها الإخوة! حقيق بنا أن نعرف هذه الفضائل، وأن نعرف تلك المناقب لأولئك الذين يرفعون رءوسهم، ويقدمون صدورهم فداءاً لدينهم، ودفاعاً عن أمتهم، وحفظاً لأعراضهم، وإعزازاً لدينهم، ورفعاً لراية الله عز وجل لئلا تنكس.
هذه معان لابد أن نذكرها ونحن نذكر الجنة وطريقها، وطريق الجهاد والاستشهاد من أعظم هذه الطرق شاء من شاء وأبى من أبى، وللجهاد ميادينه المعروفة في أعداء الله عز وجل وفي الكافرين المحاربين لدين الله ولعباد الله، وليس من ذلك في شيء ما يعلن عنه اليوم والأمس من هذه الممارسات التي أسلفنا القول بأنها لا تتفق مع شرع الله عز وجل، ولا تترتب عليها إلا المصائب والرزايا والبلايا، ولا تكون بحال من الأحوال قريبة ولا ملامسة ولا مشابهة للجهاد في سبيل الله عز وجل، وذلك أمر قد أفضنا القول فيه، ولكنها تذكرة.
نسأل الله عز وجل أن يردنا إلى دينه رداً جميلاً، ونسأله سبحانه وتعالى أن يجعل هذا الشهر الكريم شهر عبادة وإخلاص وتقرب إلى الله عز وجل وتقوى له، يعظم فيه إيماننا، ويزداد به يقيننا، وتكثر به خيراتنا، ونسأله سبحانه وتعالى أن يمن علينا بالمغفرة والقبول والرضوان والعتق من النيران، ونسأله جل وعلا أن يوفقنا لما يحب ويرضى.
ونسأله سبحانه وتعالى أن يرفع الظلم والضيم والأذى عن إخواننا المسلمين في أرض فلسطين والعراق والشيشان وكشمير وكل مكان، ونسأله سبحانه وتعالى أن يجعل هذا الشهر غياثاً لهم ورحمة لقلوبهم، وطمأنينة وسكينة لنفوسهم، ونسأله سبحانه وتعالى أن يجعله تثبيتاً لهم في مواجهة أعدائهم، ونسأله عز وجل أن يجعل لنا ولهم من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل فتنة عصمة، ومن كل بلاء عافية.
اللهم إنا نسألك التقى والهدى والعفاف والغنى، اللهم اهدنا واهد بنا، واجعلنا هداة مهديين، اللهم تول أمرنا، وارحم ضعفنا، واجبر كسرنا، واغفر ذنبنا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا، نسألك اللهم العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة.
اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم نلقاك وأنت راض عنا، اللهم أجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم سخر جوارحنا في طاعتك، واستعلمنا في نصرة دينك، واجعلنا ستاراً لقدرك في نصر الإسلام والمسلمين.
اللهم ثبت إخواننا المسلمين المجاهدين في سبيلك في كل مكان يا رب العالمين، اللهم أفرغ على قلوبهم الصبر واليقين، وثبت أقدامهم في مواجهة المعتدين، وحد اللهم كلمتهم، وأعل رايتهم، وقو شوكتهم، وسدد رميتهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم، وقرب اللهم نصرهم، وادحر عدوهم، واجعل نصرهم عاجلاً غير آجل يا رب العالمين.
اللهم عليك بسائر أعداء الإسلام والمسلمين من الظلمة والمعتدين، نسألك اللهم أن تقذف الرعب في قلوبهم، وأن تجعل الخوف في صفوفهم، وأن تزلزل الأرض تحت أقدامهم، وأن تأخذهم أخذ عزيز مقتدر، اللهم أحصهم عدداً واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً، اللهم إنهم قد روعوا الآمنين، وهدموا البيوت على المسالمين، واغتصبوا الأرض، واعتدوا على العرض وانتهكوا المقدسات، اللهم فأنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم إنا ندرأ بك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم، وأرنا اللهم فيهم عجائب قدرتك، وعظيم سطوتك، اللهم اشف فيهم صدور قوم مؤمنين عاجلاً غير آجل يا رب العالمين.
اللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، وأصلح اللهم أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم وفق ولي أمرنا لهداك، واجعل عمله في رضاك، وارزقه بطانة صالحة تدله على الخير وتحثه عليه يا سميع الدعاء.
عباد الله! صلوا وسلموا على رسول الله استجابة لأمر الله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:٥٦]، وترضوا على الصحابة الكرام، وخصوا منهم بالذكر ذوي القدر العلي، والمقام الجليل: أبا بكر وعمر وعثمان وعلي؛ وعلى سائر الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين، وأقم الصلاة (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت:٤٥].