الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى، نحمده جل وعلا على آلائه ونعمه التي لا تعد ولا تحصى، فهو جل وعلا أهل الحمد والثناء، وله الحمد في الآخرة والأولى، وله الحمد على كل حال وفي كل آن، نحمده جل وعلا حمداً نلقى به أجراً، ويمحو الله به عنا وزراً، ويجعله لنا عنده ذخراً.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير.
وأشهد أن محمداً عبده المصطفى، ونبيه المجتبى، اختاره الله جل وعلا على حين فترة من الرسل، وانطماس من السبل، فهدى به من الضلالة، وبصر به من العمى، وأرشد به من الغواية.
وأشهد أنه عليه الصلاة والسلام قد بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده، فجزاه الله خير ما جازى نبياً عن أمته، ورزقنا جميعاً اتباع سنته، وصلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ورحمتك يا أرحم الراحمين! أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون! قد عزمت على أن أتحدث عن الانتفاضة الجهادية المباركة في أرض فلسطين المسلمة، من جوار المسجد الأقصى مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن ذكرى هذه الانتفاضة المباركة قد قضت خمس سنوات من الجهاد والسير في مناوأة أعداء الله، وهي تستقبل في هذه الأيام عامها السادس ثابتة الخطا، سائرة على المنهج، واثقة بنصر الله سبحانه وتعالى.
وتذكرت تلك الصور والمآسي والمصاعب التي يعاني منها أبناء الأقصى من اليهود عليهم لعنة الله، وتلك الجرائم والفضائع التي تعبر عن الحقد الأسود، وعن الجريمة المستقرة في النفوس، وعن طبيعة تلك القلوب والأفكار والعقول التي أخبرنا الله سبحانه وتعالى عنها بوصف موجز بليغ دقيق في معناه فقال:{لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا}[المائدة:٨٢] وقدموا على المشركين؛ لأنهم أبلغ عداءً، وأكثر حقداً، وأسوأ ممارسة ضد الإسلام والمسلمين؛ ولذلك لا تمر هذه الذكرى حتى يستحضر المسلم صوراً من المعاناة الشديدة القاسية التي يلقاها إخواننا في تلك الأرض المقدسة الطاهرة صغاراً وكباراً، رجالاً ونساء، أطفالاً وشيوخاً، ليلاً ونهاراً، سراً وجهاراً، إنها معاناة لا تتوقف لحظة من اللحظات، ولا ثانية من الثواني، تلك المعاناة التي تكسر فيها الأطراف والعظام بالأحجار، تلك المعاناة التي تشمل مئات الآلاف من السجناء والمعتقلين، ومئات الآلاف من الأطفال الذين يحصدهم رصاص الغدر والعدوان، والنساء اللائي أجهضن في حملهن، واللائي اعتدي على أعراضهن، وغيرها وغيرها من الصور التي نسمعها دائماً، بل التي نراها في أحيان كثيرة ماثلة أمام العيان، فنجد هذه الصور الفضيعة التي تشمل كل ألوان الحرب من تضييق في الرزق، ومن حرمان من العمل، ومن إبعاد عن الأرض، ومن تفريق للأسرة، ومن تهجير وتغريب، ومن سجن وتعذيب، وكل هذه الصور التي تمر بإخواننا هناك حصادها كبير جداً، وآثارها ضخمة جداً، إن هذا الحصاد كما تجمله بعض هذه الأرقام يشكل صورة ينبغي للمسلم ألا ينساها، لقد قتل أكثر من ألف وثمانمائة وخمسين نحسبهم شهداء عند الله سبحانه وتعالى، (١٥%) منهم من الأطفال دون سن الرابعة عشر، وأكثرهم ما بين الرابعة عشر والعشرين من الشباب الذين في ريعان الزهور، لقد باعوا أنفسهم وأرواحهم لله، ونذروا وقتهم وجهدهم للدفاع عن دين الله، وبذلوا كل جهدهم للدفاع عن مقدسات المسلمين وعن كراماتهم، ثم إن هناك مائة وثلاثين ألفاً من المعتقلين، ومائة وأربعين ألفاً من الجرحى والمعاقين، وألفين وتسعمائة وخمسين بيتاً هدمت وهجر أصحابها، وثلاثة وستين ومائة من المبعدين، وغير ذلك من ألوان التضييق النفسي والحربي بكل صورة من صورها، ونعلم أن الذي يمارسها هم اليهود الذين لا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة.