للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مظاهر الإيمان في الحج]

إن أعظم مشاعر الإيمان في التذلل والاستعانة والاستغاثة بالله عز وجل تحيا وتقوى وتعظم وتظهر وتتجلى في القلب في مواقف الحج العظيمة كلها، والتوحيد والإخلاص يتكرر، فعندما ترقى الصفا أو ترقى المروة يأتيك حديث النبي صلى الله عليه وسلم عندما كان يكبر متوجهاً نحو البيت ويقول: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير) يجلي هذا المعنى، ويرفع به صوته، ويكرره في ذكره.

وجاء من حديث عائشة رضي الله عنها في يوم عرفات أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خير ما قلت أنا والنبيين من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير).

وورد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه جده قال: (كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في يوم عرفة: لا إله إلا الله)، إنه التوحيد والإخلاص والإيمان قولاً وحالاً وعملاً، ومظهراً فردياًً، وصورة جماعية على مستوى الأمة، وذلك ما نراه ونشهده ونتذكره ونعتبر به من هذه الفريضة.

ومن دلائل الإيمان تعظيم الله عز وجل، وتعظيم قدره، وتعظيم ما له سبحانه وتعالى من الأسماء الحسنى والصفات العلى.

ومن أعظم صور التعظيم الإيماني ما في هذه الفريضة العظيمة، ألست ترى التعظيم في هذا القصد والتوجه؟ فأنت تتوجه إلى مكان، ثم إذا بك محرماً لا تأتي محظورات الإحرام -وإن كانت مباحة قبل إحرامك- تعظيماً لهذه الفريضة، وتعظيماً لله جل وعلا، ثم أنت على صورة من مراعاة الأدب ومراعاة الحرمة في بيت الله عز وجل وفي الأماكن المقدسة، إنه تعظيم وأي تعظيم! حيث تعظم به الله عز وجل الذي أمرك بهذا التعظيم، كما في قوله سبحانه: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج:٣٢]، وقوله سبحانه: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} [الحج:٣٠]، ذلك التعظيم الذي نعظم فيه الله عز وجل في هذه الفريضة هو من أجلى وأعظم مواقف الإيمان، فأنت تعظمه وتستشعر عظمته حين ترى الخلائق والحجاج مجتمعين على صعيد عرفات كلهم بألسنة مختلفة، وبمطالب متعددة، يسألون الله عز وجل، فتستحضر الحديث القدسي الذي رواه أبو ذر رضي الله عنه عن الرسول عليه الصلاة والسلام عن رب العزة والجلال، وفيه: (لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على صعيد واحد فسألني كل وحد مسألته فأعطيته إياها ما نقص ذلك من ملكي شيئاً إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل في اليم)، فأعظم بكرم الله عز وجل وجوده! وأعظم بأسمائه وصفاته سبحانه وتعالى! إنها عظمة متناهية تحيا في القلب وأنت تعيش في تلك الأماكن المقدسة، وفي تلك البقاع المطهرة، وفي تلك المناسك المعظمة التي أمر الله سبحانه وتعالى بتعظيمها، كما في قوله سبحانه: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج:٢٥].

إن الذي ينقض الحرمة معرض لعذاب الله عز وجل؛ لأنه يفسد حقيقةً إيمانية من مقاصد هذه العبادة العظيمة، وهي تعظيم الله عز وجل بتعظيم ما أمر بتعظيمه.