كأن الأمة تحتاج إلى ضربات قاتلة لتستفيق وتستيقظ، وكأنها أدمنت كثيراً على ما يحل بها في كل يوم وليلة، وقد سمعنا خبراً جلياً عن تدنيس بعض الجنود الأمريكيين للمصحف الشريف في معتقل غوانتنامو، وقد ورد ذلك في صحفهم وأخبارهم، وسمعنا أن بعض المحققين كانوا يضعون المصاحف في دورات المياه إهانة للمعتقلين، وأنه في بعض الوقائع وضعوا المصاحف داخل المراحيض نفسها، وأن سبعة من إخواننا في أفغانستان قتلوا في يومين في مظاهرات انتصاراً لكتاب الله عز وجل واحتجاجاً على هذه الأفعال الشنيعة.
وأحسب أننا بإمكاننا أن نثير الأشجان والأحزان، ولكنني أقول: هل نحن نعظم كتاب الله كما ينبغي؟! وهل نحن نعظم رسولنا صلى الله عليه وسلم كما ينبغي؟! وهل نحن نغار على حرمات الله عز وجل كما ينبغي؟! وهل دافعنا عن كل حدث قد مضى قبل ذلك؟! وقد مضت أحداث مشابهة ومماثلة، إلا أن صورة مهمة ينبغي لنا أن نتفقدها، أن نتفقد المقدسات المعظمة في دين الله عز وجل وفي نفوسنا هل نقص قدرها وهل نقص تعظيمها، وهل أصبحنا لا نلتفت إليها بالقدر الكافي ولا نعلمها أبناءنا، ولا نشيعها في مجتمعاتنا، أم أننا نرى التأويل كما رأينا من قبل في امرأة تكلمت على أبي هريرة رضي الله عنه وعلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأينا من الكُتّاب غير قليل يقولون: لم تهولون الأمر؟! ولم تحاسبون النيات؟! إن الحديث لم يكن المقصود به كذا، وإنما المراد به كذا، ولماذا نتقعر ونتشدد عند الوقوف مع الألفاظ؟! وغير ذلك.
يساء إلى كتابنا، ويعتدى على رسولنا، ويتهجم على قرآننا، ويساء كل يوم إلى تشريعاتنا، ويقال لنا من بعد: ينبغي أن تكونوا منفتحين على الآخرين، وأن يكون لديكم سماحة، وأن لا تتشددوا وتعيدوا لنا مرة أخرى اسطوانة الولاء والبراء، والعداء وغير ذلك! إنها خطة لقتل مشاعر الغيرة الدينية والحمية الإسلامية في النفوس، إنها كالمخدرات، تكون في أول الأمر قليلة ثم يدمنها الناس، ثم يوشك بعضهم أن يألفوها فلا تشمئز منها نفوسهم، ولا يحصل لهم على تجاهها إنكار، كما في حديث حذيفة رضي الله عنه الذي يروى مرفوعاً ويروى موقوفاً:(تُعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً عوداً، فأيما قلب أُشربها نكتت فيه نكتة سوداء، وأيما قلب أنكرها نكتت فيه نكتة سوداء، حتى تصير القلوب على قلبين: أبيض مثل الصفا لا تضره فتنة مادامت السماوات والأرض، والآخر أسود مرباداً كالكوز مجخياً -أي: كالكأس المقلوب- لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً، إلا ما أشرب من هواه).
وأحسب أن درسنا الأعظم في هذا الحديث ليس هو في نقد أولئك الأعداء وأولئك الذين يمعنون اليوم في ظهور وكشف حقائقهم.
فبعد ظهور زيف حقوق الإنسان في أحداث سجن أبي غريب يظهر اليوم كذلك ظهور زيف حقوق الأديان في مثل هذه الأحداث، والعيب والنقد إنما هو موجه إلينا معاشر المسلمين لا لغيرنا، فإنه لا يهون دين أمة إلا إذا هانت في أوساطها، أين تحكيم شريعتنا في ديار الإسلام؟! أليست الخمور المحرمة قطعاً بنص صريح واضح في الكتاب والسنة تصنع أو تباع في كثير من ديار المسلمين؟! أليس في كثير من ديار المسلمين تعلن المحرمات وتشاع بين الناس حتى تألفها العيون وتقبلها النفوس وترضاها القلوب، ولا يكاد لسان ينكرها أو يقوى على ذلك؟! إن كثيراً من مقدساتنا هانت في مجتمعاتنا وضعفت مكانتها وقدرها وقيمتها، إن إقامة منكر محرم في القرآن وإقراره وتثبيته وإعلانه إنما هو إهانة المنزل ولآياته المحكمة ولأحكامه القاطعة، بل ولله جل وعلا الذي أنزله ليحكم به وليعمل به، فلنتأمل فإن الداء منا، وإن العلة فينا، وإن أعداءنا لم ينتصروا لقوتهم، وإنما لضعف بنياننا، كما تضع اليد على الجدار فيتهدم، وليس ذلك من قوتها ولكنه من تصدعه، فلنرجع إلى أنفسنا، ولنحاسبها فإنا سنجد من التقصير شيئاً عظيماً.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يردنا إلى دينه رداً جميلاً، وأن يعظم الإيمان والقرآن والنبي صلى الله عليه وسلم في قلوبنا، وأن يجعل غيرتنا الإيمانية وحميتنا الإسلامية على ما يحب ويرضى، أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.