الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فحديثنا عنوانه: (العشر الأواخر تأملات وتوجيهات).
وهذا الحديث نحن في حاجة إليه، ولعل أول ما أبدأ به أن أسأل: لماذا نقول: العشر الأواخر؟ وماذا في هذه العشر؟ وأي خصيصة لها؟ وبالتأمل نجد هناك أمرين مهمين أساسين: أولهما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وسنته في الاعتكاف؛ إذ كان اختصاصها بهذه العشر ظاهراً، وزيادته صلى الله عليه وسلم من العبادات فيها على عبادته الكثيرة المضاعفة في شهر رمضان.
والأمر الثاني هو ليلة القدر التي جعلها الله عز وجل في هذه العشر.
وسوف نقف مع الأمر الأول، وهو سنة الاعتكاف وبعض حكمها وأسرارها.
فالاعتكاف مدته هي عشرة أيام من العام، أي: عشرة من ثلاثمائة وستين أو خمسة وستين يوماً، وليس هذا مقصوداً طبعاً بذاته، ونجد أنها نسبة تعادل تقريباً (٢.
٥%)، فكأنما هذه الأيام هي زكاة الأيام، كما أن في المال زكاة، فلنا ثلاثمائة وخمسة وخمسون يوماً نخلط فيها دنيا بأخرى، وإن كان المنهج الإسلامي لا يفرق بين دنيا وأخرى، فكلها لله، ولكننا نخلط فيها أعمالاً من كسب العيش مع أعمال من التعبد، لكن هذه العشر تكون خالصة لله سبحانه وتعالى.
والانقطاع فيها عن الدنيا تام، والانشغال بالخالق عن المخلوقين كامل، ومن هنا جاء تميزها وجاء فرق ما بينها وبين سائر الأيام، فهذا وجه من الوجوه، وهو وجه زكاة الأيام، ولو تأملنا فسنجد أننا في هذا المعنى نحتاج إلى المزيد من الشعور بتقصيرنا تجاه عبادة الله سبحانه وتعالى، ونحن نرى اليوم أن هذه العشر التي واظب النبي صلى الله عليه وسلم على الاعتكاف فيها وثبت أنه أعتكف مرة عشرين نرى أن الذين يحرصون على إقامة هذه السنة في جملة الأمة قلة تتزايد، لكنها ليست الكثرة الكاثرة، وكأن العشر -رغم أنها قليلة بالنسبة لبقية العام- ما زالت النفوس وما زالت مشاغل الدنيا وما زالت متطلبات الحياة تضيق فلا تتسع لها، وتشغل فلا تتاح الفرصة لاغتنامها في طاعة الله عز وجل وحدها دون مشاركة غيرها، هذا هو الوجه الأول.