للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ثلاثة لا يدخلون الجنة]

نختم أيضاً ثلاثيات الكتاب والسنة بحديثه عليه الصلاة والسلام، الذي يرويه الطبراني في معجمه، من حديث عمار بن ياسر، ويرويه البيهقي في الشعب والحاكم في المستدرك، لكن من حديث ابن عمر، قال عليه الصلاة والسلام: (ثلاثة لا يدخلون الجنة أبداً: الديوث، والرجلة من النساء، ومدمن الخمر).

أما رواية ابن عمر في المستدرك فقال: (العاق لوالديه، والديوث، ورجلة النساء).

نعرف حرمة الخمر فلا نحتاج إلى التوسع في ذلك، أما عقوق الوالدين فأمره عظيم، لكن ما ابتلينا به أكثر أو ما ظهر التساهل والترخص فيه أكثر هو ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (الديوث) وهو الذي يرى السوء في أهله فيتغافل عنه أو يرضى به.

ولذلك قال ابن القيم: هذا الحديث يدل على أن أصل الدين الغيرة، فمن لا غيرة له لا دين له.

الذي لا يغار لحرمات المسلمين التي تنتهك، ولا لأرضهم التي تستلب، ولا لشعائر الدين التي تحارب، هذا الذي ليس في قلبه غيرة ولا حمية ليس في قلبه دين، ولذلك تجد مثل هذا يرى السوء في أهله ثم لا ينكره أو يتغافل عنه أو يرضى به.

وهذا وللأسف متحقق في بعض بيئات المسلمين، فترى الرجل قد يرى زوجته وهي حاسرة الرأس، عارية الذراعين، مكشوفة الساقين، قد تلطخت بما جملت به نفسها، ثم إذا به يقدمها لأصدقائه ويعرفهم عليها، أو يفعل ما لا يمكن أن يقال في مثل هذا المقام، وهؤلاء ولا شك أنهم معنيون بهذا الحديث ومقصودون به، ويشملهم شمولاً أولياً ظاهراً بيناً لا شك فيه؛ لأن هذا هو التعريف الذي ذكره العلماء، وأصله من ديوثة الإبل أو الجمل إذا روضته وذللته بحيث يكون ذليلاً يقبل ما تريد منه، وكذا هذا الديوث الذي يرى السوء في أهله، أو يرى مخالفة أهله لأمر الله فيتهاون، ويروض نفسه حتى يتعايش مع هذه المنكرات والعياذ بالله! قال العلماء في هذا: من كان يظن بأهله الفاحشة ويتغافل لمحبتها، فيصدق فيه هذا الوصف، ولذلك يقول ابن القيم: أصل الدين الغيرة، ومن لا غيرة له لا دين له، والغيرة تحمي القلب وتحمي الجوارح، وترفع السوء والفواحش، وعدمها يميت القلب، فتموت الجوارح، فلا يبقى عندها دفع -أي: للمنكرات- والغيرة في القلب كالقوة التي تدفع المرض وتقاومه، فإذا ذهبت القوة كان الهلاك.

قوله: (والرجلة من النساء)، أي: المسترجلة من النساء، أو المتشبهة بالرجال، قال المناوي في فيض القدير: المتشبهة بالرجل في الزي والمهنة، لا في الرأي والحكمة؛ فإن مشابهة المرأة للرجل في الرأي والحكمة والعلم أمر محمود مطلوب.

ولذلك تجد بعض النساء تريد أن تتشبه بالرجال لا في العلم ولا في الحكمة، ولا في مواضع الخير التي يشترك فيها الرجال والنساء، وإنما تتشبه بالرجال في اللباس، وفي الاختلاط، وفي المهنة.

ونحن نعرف أيضاً أن هذا الذي ذمه النبي صلى الله عليه وسلم صار منتشراً في كثير من بيئات المسلمين، وخاصة البيئات الإعلامية، فتراهم يفتخرون ويقولون: أول امرأة عربية أو مسلمة تفعل كذا وكذا، أو تعمل في مجال كذا وكذا من المجالات التي لا تصلح إلا للرجال، ولا يمكن أن تتحقق إلا بالاختلاط ونحو ذلك، ثم يجرون معها المقابلات، ويسألونها عن تجربتها وريادتها، والصعوبات التي واجهتها، إلى آخر ذلك مما نعرفه أيضاً.