وهنا كان بذل أهل الإيمان في سبيل الله سبحانه وتعالى، وكان بذله عليه الصلاة والسلام أيضاً في شأن المال هو أعظم أنواع البذل، فهذا ابن عباس رضي الله عنه يصف المصطفى عليه الصلاة والسلام وصفاً عجيباً فيقول:(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة).
قال الشاعر: ما قال لا قط إلا في تشهده لولا التشهد كانت لاؤه نعم وقال آخر: لو لم تكن في كفه غير نفسه لجاد بها فليتق الله سائله فكان عليه الصلاة والسلام لا يرد سائلاً، ولا يمنع مالاً، بل قد تجوز مرة في صلاته وأسرع فيها، ثم انفتل خارجاً من المسجد، ثم غاب في بيته، ثم خرج إلى الصحابة فرأى علائم الاستفهام والاستغراب مرسومة على وجوههم فقال:(إني ذكرت شيئاً من تبر -أي: ذهب- فخشيت أن يحبسني، فأنفقته في سبيل الله).
ومضى الرسول الكريم الذي دانت له الدنيا وجاءته الخيرات من كل مكان إلى ربه ومولاه ودرعه مرهونة عند يهودي في بعض طعام كان يأخذه عليه الصلاة والسلام، وكان يمر الهلالان والثلاثة -كما تقول عائشة وما يوقد في بيوت رسول الله صلى الله عليه وسلم نار، وما كان ذلك عن فقر وحاجة، وإنما كان عن بذل وإنفاق وسماحة في سبيل الله سبحانه وتعالى، قال عز وجل:{إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ}[فاطر:٢٩ - ٣٠] فهذا وصف أهل الإيمان، وهذا وصف أهل القرآن أنهم يرجون تجارة لن تبور، أرباحها أضعاف مضاعفة، وتأمينها عند من لا تنفد خزائنه سبحانه وتعالى.