ثم أنتقل إلى نقطة ثالثة وهي ما تتعلق ببعض أسباب المعاصي، ولست أريد أن أفيض في الأمور المعروفة من مثل ضعف الإيمان ووهن اليقين الذي يكون في نفوس العاصين، فإن ذلك أكبر وأظهر من أن يشار إليه، ولكني أشير إلى بعض ما أظنه دارجاً في حياتنا ومتمكناً في سلوكياتنا ومستولياً على نظراتنا تجاه هذه المعاصي، ولعل من أخطره إلف المعصية، فإذا ألفها الإنسان، فإن ذلك يكون مثل قضية الإدمان؛ فإن الذي يشرب كأساً -عياذاً بالله- من الخمر تجره إلى غيرها وإلى غيرها، ثم لا يرى بعد ذلك هذه الأمور إلا سهلة هينة، وكذلك إذا ألف هذه المعصية فإنه يكون من أعظم أسباب وقوعه فيها، ومن أعظم أسباب بقائه عليها، ومن أعظم أسباب منعه من فعل الأسباب التي تجعله يقلع منها، والتي تحمله على أن يبتعد عنها، ولذلك كان بعض السلف رحمة الله عليهم يقول: والله! لا أبالي بكثرة المنكرات والبدع، وإنما أخاف من تأنيس القلب بها؛ لأن الأشياء إذا توالت مباشرتها أنست بها النفوس، وإذا أنست النفوس بشيء قل أن تتأثر به، ولذلك جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:(تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عوداً عوداً) يعني: شيئاً فشيئاً، وفي بعض الروايات:(عَوداً عَوداً) يعني: مرة بعد مرة (فأيما قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء) ثم في آخر الحديث ذكر أن القلوب تصير قلبين: (أحدهما أسود مرباداً كالكوز مجخياً لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه) والعياذ بالله!