قال ابن كثير وغيره في قول الله عز وجل:{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ}[النور:٣٦] قال: أن تطهر من الأدناس والأرجاس ولغو الأقوال والأفعال، فإن رفع ذكر الله ليس بمجرد تلاوة القرآن وإقام الصلاة، بل يدخل فيه مثل هذه الأمور.
ونظافة المساجد أمرها مهم عظيم، وأجرها كبير، كما روى أبو داود وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(عرضت علي أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد) فإنك حين تأخذ قشرة أو قشة صغيرة فتقمها من المسجد وتطهره وتنظفه يكون ذلك من الأعمال التي تعرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا العمل من ضمن الأعمال التي لها أجر خاص لأمة محمد صلى الله عليه وسلم.
ونرى كذلك ذلك الحديث العظيم الذي يدلنا على الفضل وعلى التقدير النبوي والمقياس الإسلامي الذي ينبغي أن نراعيه؛ روى البخاري وغيره من حديث أبي هريرة:(أن امرأة أو رجلاً -وتغليب الرواية: أنها امرأة- كانت تقم المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم -أي: تأخذ ما يكون في المسجد من الأذى والقذى فتلمه وتخرجه- فماتت، فافتقدها النبي صلى الله عليه وسلم، ولما علم بها قال: أفلا كنتم آذنتموني حتى أشهدها؟ ثم سأل عن قبرها، فذهب وصلى عليها بعد دفنها).
لقد كانت امرأة مجهولة ليست معروفة، حتى إن الصحابة عندما ماتت لم يذكروا خبرها للنبي عليه الصلاة والسلام، فالتفت إليها النبي وافتقدها وسأل عنها، وعاتب على أنهم لم يذكروا له موتها، ثم ذهب فصلى عليها عليه الصلاة والسلام.
ونحن ربما نعمل العكس، فنحن الذين نوجد القذى في المسجد، ودورات مياه المساجد شاهدة بذلك، إذ يعمل الناس فيها من التخريب ومن التلويث ما كأنهم قصدوه عمداً أو أرادوه؛ حتى يجعلوا بيوت الله عز وجل بهيئة وصورة لا تليق بها، ولو كان ذلك في بيوتهم لدعوا بالويل والثبور وعظائم الأمور، ولكانوا أحرص ما يكونون على مثل هذه النظافة التي لا يأبهون بها ولا يحرصون عليها في بيوت الله عز وجل.