هناك فضيلة عامة في الأشهر الحرم، وفضيلة لشهر ذي الحجة، وفضيلة للعشر، ولكن العشر هذه فيها يوم عرفة، وفيها يوم النحر، فهناك خصوصيات وفضائل متكاثرة من فضل الله عز وجل علينا، ونذكر هنا مسألة صيام الأيام العشر على اعتبار أن الصيام من أحب الأعمال إلى الله عز وجل وأخصها: ورد عن عائشة رضي الله عنها في صحيح مسلم أنها قالت: (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صائماً العشر قط) وفي رواية: (في العشر قط)، وهذا الحديث أوجد بعض الإشكال، ولذلك نعتبره مسألة للتنبيه، ذكر أهل العلم: أن صيام العشر فضيلة ثابتة لا شك فيها، وقد ورد إثبات صيامه في مسند الإمام أحمد عن هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت:(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيام من كل شهر)، وقد ورد هذا الحديث أيضاً في سنن أبي داود وعند النسائي.
وورد في رواية صريحة عن حفصة رضي الله عنها عند النسائي في السنن أنها قالت:(أربع لم يكن يدعهن رسول الله صلى الله عليه وسلم: صيام عاشوراء، والعشر، وثلاثة أيام من كل شهر، وركعتين قبل الغداة).
فهذا يدلنا على ثبوت ذلك عن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، والجمع بين حديث عائشة وبين حديث حفصة بما يلي: أولاً: عائشة قالت: (ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم صام العشر)، فهل يدل ذلك على أنه لم يصم؟ هي أخبرت أنها لم تره عليه الصلاة والسلام، وأزواجه غيرها كـ حفصة قد أثبتت ذلك، هذا وجه من الوجوه، وهو وجه حسن.
ونقل ابن رجب عن الإمام أحمد أنه أجاب بأجوبة مختلفة، فقال مرة: هذا قد روي خلافه من غير عائشة، وذكر حديث حفصة، وأشار إلى أنه اختلف في إسناد حديث عائشة، فمعنى ذلك: أنه رجح حديث غير عائشة على حديثها.
ثانياً: المثبت مقدم على النافي، وهذا التوضيح مهم، قال الإمام النووي رحمه الله معلقاً ومبيناً هذه المسألة: هذا مما يتأول، فليس في صوم هذه التسعة كراهة، بل هي مستحبة استحباباً شديداً لا سيما التاسع منها وهو يوم عرفة، وقد سبقت الأحاديث في فضله، وثبت في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(ما من أيام العمل فيها أفضل منه في هذه الأيام) يعني: العشر الأوائل من ذي الحجة، فيتأول قولها:(لم يصم العشر) أنه لم يصمه على سبيل الالتزام الدائم، أو لم يصمه لعارض عرض له كالمرض أو نحو ذلك، وقد ذكر هذا النووي رحمه الله وأشار إليه ابن رجب في "لطائف المعارف" وغيرهما.