ثم انظر إلى ما يقص علينا القرآن وما يبسطه لنا من شأن الأمم السابقة، وكيف كانت أوامر الله لهم، وكيف كان خطابه للرسل والأنبياء قبل محمد صلى الله عليه وسلم، كقوله سبحانه:{يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا}[مريم:١٢] فليس في دين الله هزل ولا لعب، ولا يليق بمسلم تتنزل عليه آيات القرآن التي بلغها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون لاهياً عابثاً غارقاً في شهواته ليس لديه أمانة يحملها ولا مهمة يؤديها ولا رسالة يبلغها ولا دعوة ينشرها ولا إيمان ينافح عنه ولا يقين يستمسك به، فذلك أمر مهم (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ) أي: بجد واجتهاد.
وذلك بالاجتهاد في حفظ ألفاظه وفهم معانيه والعمل بأوامره ونواهيه، فهذا هو تمام أخذ الكتاب بقوة.
وانظر إلى هذه الكلمات: حفظ ألفاظه، وفهم معانيه، والعمل بأوامره.
ذلك هو الواجب، وتلك هي الأمانة.
قال ابن عطية: العلم به والحفظ له والعمل به والالتزام بلوازمه.
فأين نحن من ذلك؟! هل أخذنا الدين بقوة؟! هل حملنا الكتاب بقوة؟! هل أوجدنا في أنفسنا تهيؤاً نفسياً لتحظى آيات الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأوامر الدين وشرائعه ومهماته وقضاياه بالأولوية في حياتنا والتأثير الأبلغ في نفوسنا وقلوبنا والانشغال الأكبر في عقولنا وأفكارنا؟! ثم انظر كذلك إلى الخطاب الذي كرره الله جل وعلا في غير ما آية في قصة بني إسرائيل، وهم الذين جعلهم الله لنا عبرة نرى مواطن الخلل التي كانوا عليها لنجتنبها، ونرى بعض ما وفق الله عز وجل له المخلصين والصالحين منهم لنكون على أثرهم وعلى أثر الكمال الأعظم الذي جاء به بعد ذلك رسولنا صلى الله عليه وسلم.
ألم يخاطب الله جل وعلا بني إسرائيل بقوله:{خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ}[البقرة:٦٣]؟! وقد خاطب قبل ذلك موسى عليه السلام بقوله:{فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ}[الأعراف:١٤٤] أي: بقوة.
وقوله:(خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ) قال ابن عباس: بجد واجتهاد.