وسنقف وقفة مع أبي سفيان، ومع ما قاله، وذلك أمر واضح، فإن كل تقدم أو نصر في جولة يحققها أعداء الإسلام تصيبهم بغرور يعمي أبصارهم، ويطمس بصائرهم، فيمضون على غير هدى يتخبطون، ويشتدون في عدوانهم مما يؤدي إلى حتفهم يقيناً لا شك فيه؛ لأن الله عز وجل قد جعل العاقبة للمتقين، والدائرة على الكافرين ولو بعد حين، وذلك يعرفه أهل الإيمان واليقين.
ولذلك انظروا إلى كل الطغاة والمتجبرين الذين قص الله علينا خبرهم في القرآن الكريم، لقد ساروا من خلال قوتهم وطغيانهم إلى حتفهم، أليس فرعون الكافر الأعظم الذي ادعى ما لم يذكر ولم ينسب لغيره فقال:{أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى}[النازعات:٢٤]، وقال:{أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي}[الزخرف:٥١].
وفرعون كانت مواجهته مع موسى، فجاء بالسحرة، ثم أراد بعد ذلك أن يظهر قوته، وأن يستعلي بعظمته، فأراد المواجهة معلنة، وأرادها أن تكون أمام الناس، فظهر الحق، وبطل الباطل، وسجد السحرة ساجدين مؤمنين، وأسقط في يد فرعون فلم يجد إلا بطشه وجبروته.
وهكذا ما وقع للغلام في قصة أصحاب الأخدود التي قصها النبي صلى الله عليه وسلم، كما في صحيح مسلم في الحديث الطويل، فبعد أن نجى الله الغلام بمعجزات ظاهرة قال لهذا الملك الطاغية الأحمق: إن أردت قتلي فاجمع الناس على صعيد واحد، ثم خذ سهماً من كنانتي وقل: باسم الله رب الغلام، وارمني بالسهم؛ فإنك إن فعلت قتلتني.
وفعل المغرور الذي يريد الانتصار بأي وسيلة ذلك الفعل، وقال أمام الملأ كلهم: باسم الله رب الغلام.
ورمى بالسهم فقتل الغلام، وأحيا الإيمان في قلوب الآلاف المؤلفة، وظهر الحق بضيائه المشع، وظهر اليقين بثباته القوي الراسخ، فلم يجد إلا حفراً يحفرها، وناراً يشعلها، وجحيماً يلقي فيه الناس، ثم انتهى أمره وخبره، وذلك متكرر ظاهر.