إن أثر مخالفة السلوك للعلم أن القلوب -والعياذ بالله- قد تصاب بالعمى، ولا يؤثر فيها بعد ذلك وعظ ولا أمر ولا نهي، إن معنى ذلك أن النفس تتطبع على أن تعلم الحق وتجحده، وتعرف الخير وتخالفه، وذلك فيه فساد للفطرة، وزيغ في العقل، ونموذج سيء للسلوك، وكم نعاني نحن من ذلك في واقعنا الشخصي! وفي حال أبنائنا وشبابنا! وهل نريد بعد ذلك أن نقصر دور المدارس على المعارف والعلوم دون الأخلاق والسلوك، ودون التربية والتزكية؟! قال عز وجل:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}[الجمعة:٩] أي: أن العلم هو الذي يحثكم ويحرككم، والعلم بالأجر والثواب هو الذي يرغبكم ويقبل بكم، والعلم بأثر المخالفة وما يترتب عليها من الإثم والعقاب هو الذي يحجزكم ويمنعكم، والعلم بعظمة الله والحياء ومنه والمراقبة له سبحانه وتعالى هو الذي يقوّم سلوككم، إنها قضايا مترابطة؛ ولذلك كان هذا هو هدي وتوجيه النبي صلى الله عليه وسلم.
وكلنا يحفظ ذلك الحديث المروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان رديف المصطفى صلى الله عليه وسلم فالتفت إليه في كلمات حانية وتوجيهات مربية قائلاً:(يا غلام! إني أعلمك كلمات) إنه لم يرد عليه الصلاة والسلام ذلك التعليم الذي ينتهي أمره إلى الحفظ، ومآله إلى الكتابة في الاختبار، ومصيره إلى الكتب التي تلقى في صناديق النفايات، ولكنه أراد أن يحفظها في قلبه، وفي نفسه، وفي سلوكه، وفي كل جوانب حياته وتعاملاته.
ونحن نعلم تلك الوصية العظيمة، وذلك التوجيه والتعليم النبوي الإيماني التربوي الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم:(تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة) وذكر الوصايا العظيمة المعروفة.