كثير من النساء والرجال يذكرون ويعرفون ما هو من طبيعة المرأة من قلة احتمالها وسرعة جزعها وضعفها، لكن ينبغي أن لا نجعل مثل هذه الأمور مبالغاً فيها، ونجعل المرأة كما هو حال كثير من نسائنا اليوم كأنها لا يمكن أن تقوم بأي شيء، ولا أن تتحمل أي أمر، ولا تقدر على أي قضية، فهذا غير مقبول، فقد ثبت نساء المسلمين، وضربن أمثلة عظيمة في هذا الشأن، ينبغي أن نعود المرأة على شيء من القوة والصبر والاحتمال في دين الله عز وجل، فهناك أمثلة كثيرة في هذا الشأن، وأبرز هذه الأمثلة مثال سمية رضي الله عنها وثباتها، وقد كان بنو المغيرة يعذبونها على الإسلام، وهي تأبى غيره حتى ماتت شهيدة، وكانت أول شهيدة في الإسلام، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يمر بها وهي تعذب وابنها وزوجها ويقول:(صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة).
وقصة الخنساء مثل عظيم في هذا الشأن لما كانت معركة اليرموك، وهذا مثل معروف، لكنه يحصل ذكره بما فيه من عظيم التأثير في هذا الباب من أبواب الصبر والمصابرة والقوة الاحتمال، فهذه الخنساء جاءت ببنيها الأربعة وقالت لهم: يا بني! إنكم أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، وإنكم أبناء أب واحد وأم واحدة، ما خنت أباكم، ولا فضحت أخوالكم.
ثم حضتهم على الجهاد، فلم تأت بأبنائها لتقول لهم: ابحثوا عن الزوجات الفاتنات، واستكثروا من الأموال لنفعل كذا وكذا، وإنما جاءت تخطبهم لتحضهم على الجهاد وتحرضهم عليه.
فمضى أبناؤها إلى الجهاد واستشهدوا جميعاً في تلك المعركة، فلما بلغها خبرهم ما جزعت ولا ضربت خداً ولا شقت جيباً، وإنما قالت: الحمد الذي شرفني باستشهادهم، وأسأل الله أن يجمعني بهم.
وكانت مثلاً في هذا الشأن، وكانت وصيتها موضع تذكر لأبنائها وسط المعركة، فقد كانوا يتذكرون قولها فتزيد في نفوسهم الحمية للجهاد والمصابرة، تذكر بعض الروايات في التاريخ عن أحد أبنائها أنه كان يقول: يا إخوتا إن العجوز الناصحة قد أشربتنا إذ دعتنا البارحة نصيحة ذات بيان واضحة فباكي الحرب الضروس الكالحة فإنما تلقون عند الصائحة من آل ساسان كلاباً نابحة قد أيقنوا منكم بوقع الجائحة فأنتم بين حياة صالحة أو ميتة تورث غنماً رابحة ويتذكر وصيتها، وأنها حضتهم على الجهاد، وأن بني ساسان من الفرس إنما هم كلاب نابحة، فشدوا عليهم فإنكم منتصرون.
وقال الثاني: إن العجوز ذات حزم وجلد قد أمرتنا بالثبات والرشد نصيحة منها وبر بالولد فباشروا الحرب حماة في العدد وقال الثالث يتذكر وصيتها: والله لا نعصي العجوز حرفاً نصحاً وبراً صادقاً ولطفاً فبادروا الحرب الضروس زحفاً حتى تكفوا آل كسرى كفاً وقال الرابع يتذكر وصيتها أيضاً: لست للخنساء ولا للأخرم ولا لأمر بالسماء الأعلم إن لم أرد بالجيش جيش الأعلم ماض على الهجوم خضم خضرم فكان هذا القول منها وهذا الصبر والثبات نموذج يحتذى ويقتدى.