قضية الإيمان -أيها الإخوة الأحبة- قضية تغيير جذري شامل، وبناء متكامل، ومعنى ذلك أن الإيمان يتناول كل شيء في حياتك، يتناول خاطرة عقلك، ولفظة لسانك، وعمل جوارحك، وآمالك وطموحاتك، وأهدافك وغاياتك، كل شيء ينبغي أن يكون منضبطاً بهذا الإيمان، حتى خفقة القلب والمحبة والميل يجب أن تكون مضبوطة بالإيمان بالله عز وجل؛ ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:(إن أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله).
ولا شك أن من الجرح في الإيمان: أن تحب أعداء الله، وأن تبغض أولياء الله عز وجل، الإيمان ينبغي أن يكون مستولياً على كل شيء، فالكلمة إن نطقت فبمقتضى الإيمان، والعمل إن عمل فعلى منهج الإيمان، والأمل إن وجد فإنه أمل منبثق من حقيقة الإيمان، والغاية إن سعى إليها فإنما هي غاية من غايات الإيمان، وهذا كله معناه أن تتغير الحياة كلها في صغير الأمور وكبيرها، وفي سائر الأحوال والأعصار، لتتغير تغيراً جذرياً شاملاً وفق حقيقة الإيمان، ووفق حقيقة لا إله إلا الله.
ولقد أدرك الكفار هذه الحقيقة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول لهم:(قولوا لا إله إلا الله كلمة تملكون بها العرب والعجم)، فما كان أسهل أن يقولوها! لكنهم كانوا يدركون أن النبي صلى الله عليه وسلم يقصد بها معنىً عظيماً يكون فيه الحكم لله سبحانه وتعالى، والعلاقة مبنية على مقتضى الإيمان بالله سبحانه وتعالى، والمحبة والبغض مرتبطة بالإيمان بالله سبحانه وتعالى، وأن تغير الحياة كلها وفق هذا المعنى العظيم وهذه الحقيقة الشمولية الكبيرة التي لا تحدها حدود، وهي حقيقة الكون كله، وحقيقة الحياة الدنيا، وحقيقة الحياة الآخرة.
ولذلك فالإيمان تغيير جذري يتناول ميل النفس، ومشاعر القلب، وخواطر العقل، وكلمات اللسان، وعمل الجوارح، ويتناول كل شيء، ويكون مع الإنسان كالدم الذي يجري في عروقه، وكالنفس الذي يتردد في صدره، وأسألكم: هل يمكن للإنسان أن يستغني عن النفس؟
الجواب
لا؛ لأنه إن منع عنه النفس انقطعت عنه الحياة، والأمر كذلك بالنسبة للإيمان، فإن رفعت عنه حقيقة الإيمان أو لم تتغلغل حقيقة الإيمان؛ فكأنه قد قطعت عنه أسباب الحياة، وأصبح ميتاً وإن كان يدب بين الأحياء.
وأمثل أيضاً بهذا المثل في صورة أخرى: لو أن إنساناً جاء ليكتم نفسك، هل تبتسم في وجهه؟! وإذا صبرت على ذلك وقتاً من الزمن ثم بدأت تختنق ماذا تصنع؟ إنك تستنفر كل قواك وإن كان هذا الذي يكتم أنفاسك قوياً أو جباراً أو تخشاه، لكن المسألة هنا مسألة موت أو حياة، فيدك ستنطلق، ورجلك ستتحرك، وبدنك سيتغير كله؛ لأنك تدافع عن حياتك ووجودك كله.
فكذلك ينبغي إن حوربت في إيمانك، أو شككت في إيمانك، أو جاء من يمنعك من إيمانك ومقتضيات إيمانك؛ فإن الأمر كأنما يريد أن يسلبك حياتك، وأن يقتل فيك وجودك وحيويتك، فكما لا تستطيع أن تملك صبراً على ذلك الذي يكتم نفسك، فينبغي ألا تملك صبراً على كل ما يخالف مقتضى حقيقة إيمانك.