[العدة للنساء وما يتعلق بها من أحكام]
لقد شرع الإسلام العدة للنساء، وهي فترة للمراجعة والمداولة، وجعل الطلاق ثلاثاً، وليس من أول مرة يبت الحكم فيه، فلذلكم كل هذه التشريعات تضيق الدائرة في الوصول إلى المرحلة النهائية، وتجعل الفرصة سانحة للمراجعة، يبين هذا قوله عز وجل: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ * فَإِنْ طَلَّقَهَا} [البقرة:٢٢٩ - ٢٣٠] أي بعد أن أنهى كل الطلقات.
{فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة:٢٣٠].
يقول عز وجل: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة:٢٢٨] العدة ثلاثة قروء، وفسرها أهل العلم: إما ثلاث حيضات أو ثلاثة أطهار.
وهذه العدة قد بين الله عز وجل فيها الحكمة فقال جل وعلا: {لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق:١].
والحكم في العدة أن العقد باق كما هو، وأن الزوجية مستمرة كما هي، وأن المرأة ينبغي أن تقضي عدة طلاقها في بيت زوجها، فلو تصورنا بقاءها مدة ثلاثة أشهر في بيت زوجها وهي مطلقة، فإنها فرصة له ولها أن يراجعها، والمراجعة كما هو الراجح عند الفقهاء تقع ولو بدون إشهاد، والإشهاد فيها سنة، والمراجعة تقع بالمعاشرة دون التصريح بلفظ الرجوع، فهذا تضييق لإمضاء الطلاق حتى يمكن التراجع عنه، فهذه أولى، وقد تكون طلقة ثانية، فإذا جاءت الثالثة فإنها لا تحل له.
وإذا انتهت عدتها في الأولى فله أن يراجعها لكن بعقد ومهر جديد، فليس النساء لعبة في أيدي الرجال، وهذا التشريع الحكيم لو التزمه المسلمون لما وقعت هذه الفتن، والله سبحانه وتعالى لما بين هذه الأحكام ربطها بالتقوى والخوف منه عز وجل، وذلك للفت النظر إلى مراعاة حقوق الله ومراقبة الله في هذا الشأن العظيم، فقال سبحانه وتعالى: {يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق:١]، قال: (لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ) واليوم إذا طلقت المرأة أخذت عفشها وأبناءها ومضت إلى بيت أهلها، فوجدت الأبواب مفتوحة، والصدور مرحبة، وهؤلاء يفسدون ما بين الرجل وزوجته، ويسيئون إلى حياة ابنتهم، ولو كان الرجل عاقلاً لقال لابنته: إن شرع الله عز وجل يقضي أن تبقى المرأة في بيت زوجها، فإن هذا أدعى إلى حصول التوافق مرة أخرى، والرجوع والتراجع في حل هذه القضية، وحتى يعود الشمل ملتئماً على أسس واضحة من جديد بإذن الله عز وجل؛ لذا قال جل وعلا: {لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق:١].
فهذا شأن الطلاق بإيجاز، انظر إلى وقوعه، وانظر إلى العدة التي جعلت له، ثم انظر إلى التحذير في التلاعب فيه وإلى التهاون فيه، أخرج الحاكم في مستدركه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: النكاح، والطلاق، والرجعة).
مثال هذا التلاعب: أن يطلق الرجل ثم يقول: لا أقصد، وكنت أمزح، نقول: هذا التلاعب في هذا العقد العظيم، وفي هذه الأسرة المهمة، وفي هذا البناء العظيم المهم؛ لا يقبل بحال من الأحوال.
ورد في سنن ابن ماجة بسند حسنه بعض المحدثين عن أبي موسى رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما بال أقوام يلعبون بحدود الله، يقول أحدهم: قد طلقتك قد راجعتك قد طلقتك) والله جل وعلا قال في آية الطلاق: {وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ} [الطلاق:١].
إذاً: الأمر ليس لعباً ولا هوى وتسيباً كما يفعل كثير من الرجال اليوم وفقاً للأهواء أو وفقاً لبعض الأعراف، فإذا دعا ضيوفه حلف بالطلاق إلا أن يأكلوا، وإذا فعل أي أمر من توافه الأمور جعل الطلاق على لسانه، وكأنه كلمة عادية من الكلمات، ومن هنا وجد هذا الخلل الذي قد يقع في المجتمعات من مخالفات المسلمين لتشريع الإسلام.
نسأل الله عز وجل أن يحفظ أعراضنا، وأن يحفظ أزواجنا، وأن يحفظ أبناءنا، وأن يحفظ أسرنا، وأن يحفظ مجتمعنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه، أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاسغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.