ونحن اليوم انتسابنا بالإسلام يمتد جذوره إلى أبي البشرية آدم عليه السلام، ويمر بتاريخ الرسل والأنبياء والصالحين والدعاة، ولنا تاريخ ننتسب فيه إلى أبي الأنبياء إبراهيم الخليل عليه السلام {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ}[الحج:٧٨] هذا التاريخ لم ينسخ أو يلغ، لكنه قد يختزل أو يختصر، أو يكتب في المناهج -كما أسلفت من قبل في بعض البلاد العربية والإسلامية- سبعة أسطر عداً وحصراً في سيرة وتاريخ الخليفة الراشد عثمان بن عفان، ونصف صفحة لا أكثر ولا أقل في سيرة عمر بن الخطاب، ثم يكون لنا من بعد ذلك صفحات وصفحات في تاريخ أمة من شرق أو غرب، وشخصيات من هنا أو هناك، كيف يمكن حينئذ أن يكون لنا لون وطعم ورائحة معروفة؟! وانظروا اليوم إلى كل أمم الأرض كيف تبحث وتنبش عن صفحات تاريخها، بما فيه من أوحال وأدناس وأرجاس، وبمناسبة ذلك: يظن بعض الناس -من أثر ما سلط على الجوانب السلبية في تاريخنا- أن تاريخ أمتنا ليس إلا قتلاً وحرباً وصراعاً، وأنه ليس فيه كثير من المعاني العظيمة التي سجلت في صفحات تاريخ الإنسانية العظمى في ظلال الإيمان والإسلام.
أقول هذا -أيها الإخوة المؤمنون- لأن قضيتنا مهمة في هذه الشخصية الإسلامية والهوية، وهذه البلاد الإسلامية التي تضم الحرمين الشريفين يستنكر اليوم الناس ما يعرف بخصوصيتها أو هويتها، ويقولون: هل نحن جنس من غير جنس البشر؟ وهل نحن من غير نسل بني آدم؟ وهل في عروقنا دماء غير دماء البشرية؟ لنقول: من قال ذلك؟! ولكننا بلد الإسلام، فهل في بلاد أخرى كعبة غير البيت الحرام؟ وهل في بلاد أخرى مسجد لرسول الله صلى الله عليه وسلم سوى الذي في المدينة؟ وهل هناك مشاعر مقدسة وبلاد محرمة بتحريم الله وتحريم رسوله صلى الله عليه وسلم في أي بقعة من الأرض غير هذه البلاد؟ وهل هناك دولة أو بلد لم يدخل الاستعمار إليه دخولاً كاملاً: عسكرياً وفكرياً ونظامياً وقانونياً وتعليمياً سوى هذه البلاد، وهل هناك أنظمة منصوص عليها في سياسة التعليم والإعلام وغيرها ليس فيها حرف واحد يتناقض مع أصول الإسلام وثوابته، أو مع أهدافه ومقاصده سوى هذا البلد؟ وهل هناك بلد فيها فصل للتعليم بين الذكور والإناث في كل المراحل مثلما في هذه البلاد؟ وهل هناك بلد الأصل أن كل من يعيش على أرضه من أبنائه هم من المسلمين؟ وغير ذلك من الأسئلة، فكيف إذاً تطرح الحقائق وتلغى؟!! وهذه كلمات أقرؤها عليكم لكاتب كتب في إحدى صحفنا قبل يومين لا أكثر ولا أقل، لا نستعدي ولا نصرخ، وإنما ننصح ونراجع، يقول: وبعد مرور ربع قرن من عمرنا، ينبغي أن يكون قد ترسخ في ضميرنا ووجداننا وأذهاننا قناعات فحواها: أنه ليس من الضروري الاحتكام للرؤية الدينية في كل شاردة وواردة تطرأ على حياتنا، ويقول: أختلف معهم -أي: مع الذين يقولون بهذه الخصوصية- في اعتبار الدين -أي دين- مكوناً للخصوصية.
ثم يقول: إن الخصوصية هي: العلمانية الإيمانية، أو العلم الإيماني، أو الإيمان العلمي، ويذكر حينئذ صوراً، فيقول: إننا إذا تحدثنا عن فرنسا ذكرنا الحرية والمساواة والإخاء، وإذا ذكرنا أمريكا ذكرنا حقوق الإنسان والحريات، وإذا ذكرنا كذا وكذا وعدد من بلاد الشرق والغرب، وكأن أمة الإسلام ليس لها إلا الذل والتخلف والسوء والسواد والشنار والعار، ولعلي أظن أنه لم يقصد ذلك، فهو لم يدرك مرامي الكلام وغاياته.