للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[توجيهات لطالب العلم]

السؤال

لا أستطيع أن أعبر عن مدى المشكلة، فأنا أحاول القراءة، ولكن لا أجد لها وقتاً، وإذا قرأت لا أستفيد، وإذا استفدت في بعض الأحيان فإنه يداخلني الرياء بذلك.

الجواب

هذا ربما يكون قد مر الحديث عنه في الدرس الماضي، ونوجزه للأخ فنقول: إن أهم قضية هي صدق النية والإخلاص لله سبحانه وتعالى، ثم يأتي الشعور بالأهمية للعلم، والحاجة إلى البصر بالدين، وأن يكون متصوراً لمدى فائدة الاطلاع والقراءة -الفائدة العلمية، والفائدة العملية- في حياة قلبه وحماسه حينما يقرأ أقوال أهل العلم، وحينما يعرف سيرتهم ونحو ذلك من الأمور.

فلابد أولاً من توفر الأسس النفسية التي هي أساس الانطلاق في هذا الأمر، ثم من احتاج شيئاً استطاعه، من احتاج إلى المال وافتقر إليه وجد السبيل إليه، أما الذي يشعر بأنه مستغنٍ عن المال فلا يهمه ولو فاته المال ما التفت إلى ذلك، لكن إذا علم شدة الحاجة التمس الطريق، وإن كانت القراءة تشق عليه فعليه أن يخصص لها وقتاً يتوفر فيه فراغ الذهن، والصفاء الفهم، ثم يبدأ بالقليل ولا يكثر على نفسه، ثم كذلك يبدأ بالأقرب إلى نفسه، فإن كان يحب قصصاً بدأ بها، وإن كان يحب أدباً بدأ به، ليتعود الكتاب ويتعود النظر إليه، فحينئذ يمكن بعد ذلك أن تصبح المسألة دربة له وعادة عنده يستفيد منها.

وأما أنه لا يستفيد فلا يعجل على نفسه، فإن الإنسان في أول الطلب، وفي بداية الاطلاع لا يشعر بالفائدة المباشرة، ولا يرسخ في ذهنه كثير مما يقرأ وما يطلع عليه، فلا يستعجل في ذلك، فإن المسألة تحتاج إلى دوام، وإلى الكثير من الاطلاع، وحينما نسمع بعض أهل العلم، وبعض طلبة العلم وعندهم زاد من النصوص، وزاد من الأقوال، وزاد من الوقائع، فما جاء ذلك من قراءة أولى ولا من قراءة قليلة، ولكن نقول: إذا قرأت أول مرة فإنه يثبت عشرة بالمائة على سبيل المثال، ثم حينما تواصل القراءة يثبت في ذهنك من بعد عشرون بالمائة، ويمر بك مثلاً النص في كتاب، ثم يمر بك في كتاب آخر، ثم يمر بك شرحه في موضع آخر، ثم يمر بك إشارة إليه فيرسخ في ذهنك حينئذ، وكما أشرت من قبل فإن من أهم الأمور زكاة العلم، وإنفاق العلم زكاته، فلابد أن يخرج ما عنده، فإذا حفظ شيئاً فليحدث به، حتى يذاكره، فإن حياة العلم مذاكرته كما قال أهل العلم، فيذاكر العلم بينه وبين أصحابه وأقرانه، ثم يعلم من هو دونه، فإن التعليم هو الذي يثبت العلوم؛ لأنك حينما تعلم ترجع إلى الكتاب، وترجع إلى المسألة، ثم تحاول أن تحفظ، ثم تلقي فيكون من ذلك تضافر الحواس، وتضافر الحواس مهم، فإذا استخدمت في القراءة حاسة البصر، ثم استخدمت حاسة اليد في أن تضع خطوطاً، ثم استخدمت حاسة الكلام فتكلمت، أو كتبت بيدك لتدرس وتشرح، كلما زادت الحواس التي تتعامل مع المعلومة الواحدة كلما زاد ثبوتها ورسوخها، وليستعن بالله سبحانه وتعالى قبل ذلك وبعده، فإن الله سبحانه وتعالى هو المعين.