[النصر والتمكين لأولياء الله المتقين]
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم واقتفى أثرهم ونهج نهجهم إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون! أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله، فإن تقوى الله أعظم زاد يقدم به العبد على مولاه، وإن من أعظم الإيمان والتقوى الثقة بنصر الله، والثقة بوعد الله، وصدق التوكل على الله، وتعظيم اليقين بنصر الله، وإن الإنسان المؤمن لا بد أن يعيد على نفسه مثل هذه المعاني، وأن يمر على ذاكرته هذه المواقف من سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وكلنا يعلم أن الحياة واحدة، وأن الموت كأس لا يشرب إلا مرة واحدة: فإما حياة تسر الصديق وإما ممات يغيظ العدا وإذا لم يكن من الموت بد فمن العار أن تموت جبانا ذلك هو الذي ذكره لنا عملياً أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في شتى المواقف والمغازي التي جادوا فيها بأرواحهم ونفوسهم في سبيل الله، والتي مروا فيها بأحلك الظروف وأشدها وأصعبها، يوم تألب عليهم الأحزاب {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا} [الأحزاب:١٠ - ١١].
ماذا قالوا؟ {قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب:٢٢].
ماذا فعلوا؟ {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} [الأحزاب:٢٣].
ماذا فعل الله بعدوهم؟ {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ} [الأحزاب:٢٥].
تلك هي الحقائق الإيمانية القرآنية التي ينبغي أن نعظم اليقين بها، ولسنا في شك من أمرنا، أما أعداء الله عز وجل وإن عظمت قوتهم، وإن كثرت أحزابهم، وإن توالت وتعاقبت مؤتمراتهم، فإنهم أدحر وأحقر من أن يقفوا أمام المؤمنين الصادقين، ويكفي أن نعرف أن منهم أعداداً من المنتحرين، وأعداداً من الفارين والهاربين، فضلاً عن الجرحى والمقتولين، وكلكم يرى ذلك بأم عينه: {إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس:٨١]، (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} [فاطر:٤٣]، {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} [الأنفال:٣٦].
لسنا في شك من كلام ربنا، ومن هذه المقاطع الصادقة قول الحق سبحانه وتعالى: {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ} [ص:٨٨]، أي: وليأتينكم من الأمور والأخبار يقيناً ما ليس في أذهان أصحاب الوهن والضعف، الذين يبثون روح الخذلان ولا يبثون روح الإيمان.
ينبغي لنا أن نعظم اليقين بنصر الله عز وجل، وأن نعلم أن موعوده بالنصر يحتاج أن نحقق شرطه الذي أراده منا: {إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:٧]، ولقد وعد الله رسوله وأعطاه وعده: {وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا} [الفتح:٢١]، فبعد ذلك الصبر العجيب، واليقين العظيم، والتوكل الصادق في يوم الأحزاب، أعطاه الله فتحاً في يوم الحديبية، ونصراً مؤزراً في يوم الفتح، وظهوراً وإخراجاً لأعدائه في يوم خيبر، ثم انتصاراً شمل الجزيرة في يوم حنين والطائف، ثم خروجاً عن دائرة بلاد العرب لمقاتلة الروم في مؤتة، ثم استسلمت الأرض كلها لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فلم يمت أبو بكر إلا والجيوش تقرع أبواب فارس والروم، ثم مضى الفاروق وكسب الإسلام انتصاراً في القادسية واليرموك وفي غيرها من المعارك العظيمة: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ} [يوسف:٢١]، {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ} [ص:٨٨].
فاللهم ثبت إخواننا المؤمنين المجاهدين في أرض العراق وفي فلسطين، وفي كل مكان يا رب العالمين! اللهم املأ قلوبنا وقلوبهم بالإيمان واليقين، اللهم اجعلنا أغنى الأغنياء بك وأفقر الفقراء إليك، ولا تجعل لنا إلى سواك حاجة، وأغننا اللهم بفضلك عمن أغنيته عنا يا رب العالمين! أغننا اللهم بحلالك عن حرامك، وبفضلك عمن سواك.
اللهم قل المعين الناصر، وكثر العدو القاهر، وليس لها من دونك كاشفة، فاكشف اللهم البلاء عن الأمة، وارفع اللهم الكرب والغمة، اللهم إنا نسألك أن تجعل لنا ولإخواننا المسلمين في كل مكان من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل فتنة عصمة، ومن كل بلاء عافية يا سميع الدعاء! اللهم زد إيماننا، وعظيم يقيننا، وثبت أقدامنا، وارفع رءوسنا، وعظم في قلوبنا عزتنا، اللهم إنا نسألك صدق التوكل عليك، وعظمة الإنابة إليك، وشدة الخوف منك، وعظمة الرجاء فيك، اللهم إنا نبرأ من الثقة إلا بك، ومن التوكل إلا عليك، ومن الإنابة إلا إليك، ومن الخوف إلا منك يا رب العالمين! اللهم إنا نسألك لأمتنا أن تبدلها من بعد ضعفها قوة، ومن بعد ذلها عزة، ومن بعد فرقتها وحدة برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم رد المسلمين إلى دينك رداً جميلاً، وخذ بنواصيهم إلى طريق الحق والسداد، وألهمهم الرشد والصواب، وألف بين قلوبهم، ووحد بين صفوفهم، واربط على قلوبهم، وثبت أقدامهم.
اللهم يا رب العالمين نسألك أن تردنا إلى دينك رداً جميلاً، اللهم يا حي يا قيوم اجعلنا بكتابك مستمسكين، وبهدي نبيك صلى الله عليه وسلم معتصمين، ولآثار السلف الصالح مقتفين برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم تول أمرنا، وارحم ضعفنا، واجبر كسرنا، واغفر ذنبنا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا، اللهم إنا نسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة، اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم نلقاك وأنت راض عنا، اللهم أجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم اجعل هذا البلد رخاء وسائر بلاد المسلمين، وأصلح اللهم أئمتنا، وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك، واتبع رضاك يا رب العالمين! اللهم وفق ولي أمرنا لهداك، واجعل عمله في رضاك، وارزقه بطانة صالحة تحثه على الخير وتدله عليه يا سميع الدعاء! اللهم احفظ بلاد الحرمين من كل سوء ومكروه يا رب العالمين! اللهم احفظ عليها سلمها وإسلامها، وأمنها وأمانها، وسعة رزقها ورغد عيشها، اللهم اصرف عنا كيد الفجار، واصرف عنا شر الأشرار، واصرف عنا اللهم شر طوارق الليل والنهار، يا رب العالمين! اللهم انصر عبادك وجندك المجاهدين في كل مكان يا رب العالمين! اللهم الطف بإخواننا فيما جرت به المقادير، امسح اللهم عبرتهم، وسكن لوعتهم، وآمن روعتهم، وفرج همهم، ونفس كربهم، وعجل فرجهم، وقرب نصرهم، وادحر عدوهم، وزد إيمانهم، وعظم يقينهم، واجعل ما قضيت عليهم زيادة لهم في الإيمان واليقين، ولا تجعله فتنة لهم في الدين.
اللهم إنهم حفاة فاحملهم، وعراة فاكسهم، جائعون فأطعمهم، خائفون فأمنهم، مشردون فلم شعثهم يا رب العالمين! اللهم أعزهم بعزك، وانصرهم بتأييدك وحولك وقوتك عاجلاً غير آجل يا رب العالمين! اللهم عليك بسائر أعداء الإسلام والمسلمين، أحصهم اللهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً، اللهم نكس رايتهم، وأذل أعناقهم، وسود وجوههم، واجعلهم عبرة للمعتبرين، واقذف الرعب في قلوبهم، واجعل الخلف في صفوفهم، وزلزل الأرض تحت أقدامهم، وخذهم أخذ عزيز مقتدر يا رب العالمين! وأنزل اللهم بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين يا قوي يا عزيز يا متين! عباد الله! صلوا وسلموا على رسول الله استجابة لأمر الله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:٥٦]، وترضوا على الصحابة الكرام، وخصوا منهم بالذكر ذوي القدر العلي والمقام الجلي، أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وعلى سائر الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم صل وسلم وبارك وأنعم على نبيك محمد وعلى آله وصحابته أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وأقم الصلاة، إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.