الأمر الثالث: دعاء الله جل وعلا، وقد يكون ذلك مندرجاً فيما قبله، لكن التفصيل مهم، وذكر الآحاد والأفراد مهم، قال تعالى:{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}[غافر:٦٠]، أفليس وقت المحن هو وقت الدعاء الخالص الذي ينطرح فيه المؤمنون بين يدي الله؟ أليس رسولنا صلى الله عليه وسلم قد ضرب لنا المثل في سيرته في كل شدة ومحنة؟ كانت يداه الكريمتان مرفوعتين تضرعاً إلى الله، وعيناه تذرفان تبتلاً وخضوعاً وتضرعاً إلى الله، وقلبه يخفق، ولسانه ينطق، إنها صورة لا بد أن تعظم وأن تكثر في حياتنا الذاتية عموماً، وعند هذه الفتن خصوصاً.
والله سبحانه وتعالى بين لنا أثر الدعاء، وبينه لنا في سير الرسل والأنبياء، كما في قصة آدم وزوجه:{قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[الأعراف:٢٣]، عندما وقعت الفتنة بالأكل من الشجرة كان المخرج الدعاء والتبتل والتضرع لرب الأرض والسماء، فكان الفيض، وكانت التوبة، وكانت النعمة من الله سبحانه وتعالى على آدم.
وفي قصة يونس عليه السلام نعرف جميعاً ماذا كان يقول في جوف الحوت، وماذا كان دعاؤه وذكره الذي كان سبباً من أسباب تفريج همه وكربه ونجاته مما ألم به:{لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}[الأنبياء:٨٧]، وفي مثل هذا الدعاء إقرار بالخطأ، واعتراف بالذنب، ورجاء وابتهال، وتضرع بطلب السلامة من الآثار الوخيمة، ولذلك ورد كذلك في حديث النبي صلى الله عليه وسلم في هذه اللفظة {لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}[الأنبياء:٨٧] قال عليه الصلاة والسلام: (لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له) رواه الترمذي في السنن.
ومن الدعاء الاستغفار، وهو من أسباب النجاة، كما قال الله عز وجل:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}[الأنفال:٣٣].
والإكثار من الذكر، كما في قصة يونس:{فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}[الصافات:١٤٣ - ١٤٤]، والله سبحانه وتعالى جعل لنا أنواعاً من ذكره ودعائه والتبتل إليه من اعتصم بها وأدمن عليها وأكثر منها حيي الإيمان في قلبه، وعظمت التقوى في نفسه، وانكشفت البصيرة في عقله، وأصبح له من نور الله ومن اعتصامه به ومن دعائه له ومن تضرعه إليه ما يفيء به إلى خير كثير بإذن الله.
ومن ذلك الاستعاذة والتعوذ من هذه الفتن وشرورها وضلالها وزيغها، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن) رواه مسلم.
وقال ابن مسعود رضي الله عنه في هذا التعوذ: لا يقولن أحدكم: إني أعوذ بالله من الفتن؛ فإنه ليس أحد منكم إلا وهو مشتمل على فتنة:{إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ}[التغابن:١٥]، فأيكم استعاذ فليستعذ بالله من مضلات الفتن.
نسأل الله عز وجل أن يعيذنا من مضلات الفتن، وأن يصرفنا عنها، وأن يفيء بنا إلى الحق والثبات، والاعتصام بكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.