[بعض فضائل شهر رمضان]
رمضان شهر له بدخول الجنة تعلق عظيم، كما ورد عند البخاري من حديث أبي هريرة عن رسول الهدى عليه الصلاة والسلام أنه قال: (إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب السماء، وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين)، وفي رواية أخرى أطول، قال عليه الصلاة والسلام: (أتاكم شهر رمضان، شهر مبارك، فرض الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق أبواب الجحيم، وتغل فيه مردة الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرمها فقد حرم) رواه الإمام أحمد والبيهقي والنسائي.
وإذا تأملنا هذا الحديث نجد أنه إعلان عظيم ظاهر بين فيه أن هذا الشهر موسم من مواسم الجنة، تهفو النفوس والأرواح شوقاً إليها، وتخف الأبدان سعياً وعملاً وطاعة وتقرباً وتعرضاً لنفحاتها، ويعظم في القلوب أخذ أسباب النجاة من النار في ألوان وصور مختلفة من العبادات والطاعات، قال الحليمي في مثل هذا الحديث وشرح معناه: إن الشياطين لا يخلصون من افتتان المسلمين إلى ما يخلصون إليه في غيره -أي: في غير رمضان- لانشغالهم -أي: لانشغال المسلمين- بالصيام الذي فيه قمع الشهوات، وبقراءة القرآن والذكر.
وفي رواية لهذا الحديث: (غلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، ونادى منادٍ: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر) وهذا من فضل الله عز وجل.
وقال الطيبي في شرح الحديث: فيه فائدة توقيف الملائكة على استحماد فعل الصائمين، وأنه من الله بمنزلة عظيمة، وفيه إذا علم المكلف ذلك بإخبار الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ما يزيد نشاطه ويتلقاه بأريحية، هذا خبر الصادق المصدوق يخبرنا فيه بهذه الأخبار، وكأن الله جل وعلا يعلن في الملأ الأعلى وبين ملائكته الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون: أن هذا موسم عظيم، وأن أهل الإيمان والإسلام فيه يكونون على حال عظيمة تفتح أبواب السماء وأبواب الجنان، ويشعر بذلك ملائكة الرحمن، ويخبر بذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، فيكون حينئذٍ انبعاث النفوس، واشتياق القلوب، وشحذ العزائم، وقوة الهمم في الطاعة لله سبحانه وتعالى.
ونحن في مفتتح الشهر وفي بدايته وأوله نستمع لهذا القول، ونردد هذه الآيات، ونكرر تلك الأحاديث؛ حتى يكون ذلك عوناً لنا على طاعته سبحانه وتعالى، ومن جهة أخرى تذكير بالتفريط، وتحذير من التقصير، قال غير الطيبي في شرح هذا الحديث: فيه رفع عذر المكلف، فكأن الله جل وعلا يقول: كفت الشياطين فلا تعتذروا بهم.
وكم نسمع من القول: إبليس والشيطان، فالله جل وعلا جعل هذا الموسم بعيدة فيه قدرة الشياطين على تسلطها على المؤمنين، وقد قال أهل العلم: إنه تغل فيه مردة الشياطين كما ورد في الحديث، أو أنهم لا يصلون إلى ما يصلون إليه في غيره، والحال في جملته أن ذلك الأثر الذي يزل الإنسان ويغويه ويغريه ويصرفه عن طاعة الله، ويقعده عن الخيرات أنه منقمع منحسر ذليل، وذلك يفسح المجال واسعاً لكل من يريد الاستزادة من الخير، فإن الطريق ممهدة، وإن العقبات قد أزيحت وأزيلت وخففت، فما على المرء إلا أن يشحذ همته وعزمه، وأن يخلص نيته وقصده، وأن يبدأ عمله وجده في طاعة الله سبحانه وتعالى.
ونحن نقول ذلك ونحن ندرك صلة الصيام الكبرى والعظمى بالتقريب من الجنان والمباعدة من النيران، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من صام يوماً في سبيل الله باعد الله بينه وبين النار سبعين خريفاً).
وقوله (يوماً) في الحديث مطلق لا يدل على أنه فرض، بل يكون تطوعاً، فكيف بثلاثين يوماً تصومها في سبيل الله، وإخلاصاً لوجه الله، وتنفيذاً لفريضة الله، وابتغاءً لرحمة الله عز وجل؟! لاشك أن مباعدتها عن النار عظيمة، فأخلص النية ينلك ثواب الله عز وجل، وتدركك رحمته، وينجز لك وعده بإذنه سبحانه وتعالى.
وكلنا يعلم حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم عند البخاري في قوله: (الصوم جنة)، وفي رواية النسائي: (الصوم جنة من النار كجنة أحدكم من القتال)، إنه درع حصين يقيك ويصرفك بإذن الله عز وجل عن العذاب، فإن عذاب جهنم كان غراماً.
وكلنا من أعظم أهدافنا وأكثر دعائنا سؤالنا الله جل وعلا أن يباعد بيننا وبين النار، وأن يجعلنا من أهل الجنان، وهذا هو الموسم الأعظم، وتلك هي الفرصة الكبرى، وتلك هي الأبواب المتنوعة التي كلها لها صلة مفردة بأمر الطاعة والتقرب إلى الله عز وجل، والتعرض لدخول الجنان.
ثم كذلك نعلم جميعاً الاختصاص الرمضاني بالجنة، كما قال صلى الله عليه وسلم: (إن في الجنة باباً يقال له: الريان، خاص بأهل الصيام، ينادى يوم القيامة: أين الصائمون؟ فيدخلون منه، فإذا دخلوا أغلق فلا يدخل معهم غيرهم) فأي فضيلة أعظم من هذا؟! وأي تعرض لدخول الجنة في موسم أكبر وأوسع من هذا؟! فما على أحد إلا أن يشد الحزم ويبدأ العمل.
وفي رواية النسائي: (للصائمين في الجنة باب يقال له: الريان، لا يدخل فيه أحد غيرهم، فإذا دخل آخرهم أغلق، ومن دخل شرب، ومن شرب لم يظمأ أبداً).