تلك هي النفوس الأبية، ذلك هو المجتمع المسلم، فهل ترون في نفوسنا اليوم والأعداء قد حلوا بديارنا، وقد أخذوا مسرى نبينا صلى الله عليه وسلم؛ هل ترون نفوساً تتوق إلى الشهادة؟ أم أن مجرد ذكري ذلك يعد اليوم خطراً عظيماً وتهمة ثابتة، بل ربما لا يجرؤ أحد على قوله: لا لذلك؛ لأن القلوب قد امتلأت رعباً.
إن تلك الجيوش الضخمة لم يزالوا يعلنون عن كفاءتها وقدرتها، ثم إذا بها في وحل لا تستطيع أن ترد عن نفسها شيئاً، ولا تستطيع أن تحقق نصراً، ولا تستطيع أن تواجه فتية صغاراً بأحجار وأسلحة قليلة ضئيلة.
إن السنة ماضية، وإن آيات القرآن لا تتخلف مطلقاً فيما جاءت به من وعد الله، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}[محمد:٧]، وقال عز وجل:{كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ}[البقرة:٢٤٩].
كان ذلك يقيناً في قلوب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وتلك عادة الله فينا كما ذكر أولئك الأصحاب، وقالوا: قد نصرك الله عليهم في يوم بدر على قلة عددنا.
كل هذا كان واضحاً في الأذهان، وكان حياً وساكناً في القلوب والنفوس، وكان الأمر كذلك من جهة أخرى، فهم قوم مستقيمون على أمر الله، قائمون بطاعة الله، سائرون على خُطا رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يكونوا يخشون أن يؤتوا من قبل تخلفهم عن أمر الله، ولا تنكبهم لهدي وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا معارضاتهم ومخالفاتهم المعلنة المشهرة لما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ألسنا اليوم في ظروف أشد وأصعب مما كان في يوم أحد؟ ماذا رأيت في صحف اليوم؟ صفحة كاملة، فيها إعلان لمسابقة ملكة جمال إحدى الدول العربية بين ثلاثين فتاة، يتم التنافس بينهن حتى تفوز إحداهن بعد معركة طويلة بعرش الجمال.
وكاتب يكتب أيضاً عن بلادنا وديارنا ليقول: إنه فرح جذل بأخبار عن وجود قاعات (السينما) وإنها قد بدأت بالأفلام المتحركة للأطفال، فإنه يرجو ويأمل أن تتطور حتى تعرض الأفلام المختلفة.
هذا هو واقع الحال، وتلك هي الصورة التي كانت في عهد نبينا صلى الله عليه وسلم، فهل إلى رجوع من سبيل؟ وهل إلى نظر وتأمل إلى حقيقة المجتمع المسلم وما كان عليه؟