[نماذج من كرامات الصحابة]
لذلك لما تكلم ابن تيمية سرد في هذا سرداً واسعاً يدلل فيه على أنه لا ينبغي أن يكون ما يقع فيها من الشطحات والمخالفات دالاً أو دافعاً إلى إنكارها، وساق كلاماً طويلاً ونفيساً في إثبات هذه الأمور يحسن بنا أن نذكره، واستعرض كلاماً لو قيل مجرداً عن نسبته إلى ابن تيمية لربما كان في النفس منه شيء، أو كان عند بعض الناس له إنكار، فيقول بعد أن ذكر بعض ما ورد من القول السابق عن الكرامات قال: وكرامات الصحابة والتابعين وسائر الصالحين كثيرة جداً.
مثل ما كان من أسيد بن حضير حينما كان يقرأ سورة الكهف فنزل من السماء مثل الظلة فيها أمثال السرج، وهي الملائكة نزلت لقراءته، والقصة الثانية أنه كانت الملائكة تسلم على عمران بن حصين، كلها ثابتة بأدلة ذكرها الذهبي في بعض التراجم كنصوص وأحاديث.
وكان سلمان وأبو الدرداء يأكلان في صحفة، فسبحت الصحفة أو سبح ما فيها، وعباد بن بشر وأسيد بن حضير خرجا مع الرسول صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة فأضاء لهما نور مثل طرف السوط، فلما افترقا افترق الضوء معهما.
أي: كان مع كل منهما ضوء.
والحديث في صحيح البخاري.
وقصة الصديق أبي بكر في الصحيحين لما ذهب بثلاثة أضياف معه في بيته، وجعل لا يأكل لقمة إلا ربا من أسفلها أكثر منها، كلما أكل لقمة يزيد أكثر منها، فشبعوا وصارت أكثر مما هي قبل ذلك، فنظر إليها أبو بكر وامرأته فإذا هي أكثر مما كانت عليه، والحديث في الصحيحين.
وخبيب بن عدي كان أسيراً عند المشركين بمكة -شرفها الله تعالى- وكان يؤتى بعنب يأكله وليس بمكة عنبة واحدة، وهذا عامر بن فهيرة قتل شهيداً، فالتمسوا جسده فلم يقدروا عليه، وكان لما قتل رفع فرآه عامر بن الطفيل وقد رفع، وقال عروة: (فيرون الملائكة رفعته) وخرجت أم أيمن مهاجرة وليس معها زاد ولا ماء فكادت تموت من العطش، فلما كان وقت الفطر وكانت صائمة سمعت حساً على رأسها فرفعته فإذا دلو معلق فشربت منه حتى رويت وما عطشت بقية عمرها، وسفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر الأسد بأنه رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمشى معه الأسد حتى أوصله مقصده، والحديث في مسند الإمام أحمد مصحح.
والبراء بن مالك كان إذا أقسم على الله سبحانه وتعالى أبر قسمه، والحديث في هذا صحيح، وكان إذا اشتد الحرب على المسلمين في الجهاد يقولون: يا براء! اقسم على ربك.
فيقول: يا رب! أقسمت عليك لما منحتنا أكتافهم.
فيهزم العدو، فلما كان يوم القادسية قال: أقسمت عليك -يا رب- لما منحتنا أكتافهم وجعلتني أول شهيد.
فمنحوا أكتافهم وقتل البراء شهيداً.
وخالد بن الوليد حاصر حصناً منيعاً فقالوا: لا نسلم حتى تشرب السم.
فشربه ولم يضره.
وسعد بن أبي وقاص كان مستجاب الدعوة، ما دعا قط إلا استجيب له، وهو الذي هزم جنود كسرى وفتح العراق.
وعمر بن الخطاب لما أرسل جيشاً أمر عليهم رجلاً يسمى: سارية فبينما عمر يخطب فجعل يصيح على المنبر: يا سارية! الجبل.
يا سارية! الجبل.
فقدم رسول الجيش فسأل فقال: يا أمير المؤمنين! لقينا عدواً فهزمونا فإذا بصائح يقول: يا سارية! الجبل.
يا سارية! الجبل.
فأسندنا ظهورنا بالجبل فهزمهم الله.
ولما عذبت زنيرة على الإسلام فأبت إلا الإسلام وذهب بصرها قال المشركون: أصاب بصرها اللات والعزى.
قالت: كلا والله.
فرد الله عليها بصرها.
ودعا سعيد بن زيد -وهو من العشرة المبشرين- على أروى بنت الحكم لما كذبت عليه فقال: اللهم! إن كانت كاذبة فأعم بصرها واقتلها في أرضها.
فعميت ووقعت في حفرة من أرضها فماتت.
والعلاء بن الحضرمي كان عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم على البحرين، وكان يقول في دعائه: يا عليم يا حليم يا علي يا عظيم.
فيستجاب له، ودعا الله بأن يسقوا ويتوضئوا لما عدموا الماء فأجيب، ودعا الله لما اعترضهم البحر ولم يقدروا على المرور بخيولهم فدعا الله فمروا كلهم على الماء ما ابتلت سروج خيولهم، ودعا الله أن لا يروا جسده إذا مات فلم يجدوه في اللحد.