للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أخوة الإيمان وسماحة الإسلام]

هذه -وللأسف- صور كثيرة، ولو أننا تلمسنا الكلام فيها لوجدنا أن ديننا مرة أخرى وثانية وثالثة هو في جهة، وبعض سلوكياتنا من هذا النوع في جهة أخرى.

قال عز وجل: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:١٠]، فأنتم معاشر المؤمنين وإن تفرقت بكم الأنساب، وإن تباعدت بكم الديار، فأنتم إخوة كإخوة الدم والنسب، بل وأكثر.

فالإسلام آوى بلالاً، وآخى صهيباً، ونادى بـ سلمان في العالمين، فكيف مزج الإسلام بين صهيب الرومي وبلال الحبشي وأبو بكر التيمي وعمر العدوي وعثمان الأموي وعلي الهاشمي، وبعد ذلك الفرس والروم وكل الخلق؛ ليكونوا سلسلة واحدة قلوبها متآخية، نفوسها متصافية، صفوفها متراصة! تلك هي الصورة التي ضربها لنا مثلاً سيد الخلق صلى الله عليه وسلم في قوله: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)، فكيف واليوم الجسد يقطع بعضه بعضاً، واليمنى تقطع اليسرى! فإذا أسأت إلى أخيك المسلم، وإذا أخذت ماله بغير حق، إذا جرحته بكلمة، وإذا اعتديت عليه في أمر، فإنما يعود ذلك على نفسك.

قال صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) فما بال الشحناء والبغضاء تسري؟! ألم نستمع لحديث أبي الدرداء عند الترمذي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: (ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟، قالوا: بلى، يا رسول الله!) فأي شيء أخبرهم به عليه الصلاة والسلام؟ قال: (إصلاح ذات البين؛ فإن إفساد ذات البين هي الحالقة)؟! فمن الذي يسعى بين الناس بالإصلاح، ومن يبذل وقته، ومن يبذل جاهه، ومن يحاول دائماً أن يؤلف بين القلوب، ويقارب بين الصفوف، ويجمع بين الأزواج، ويذلل العقبات بين الأقارب والمعارف؟!