الاقتباس: هو أخذ الجزء من كل للاستفادة منه، ويقول أهل اللغة: اقتبس من النار أي: أخذ منها شعلة أو قبساً لينتفع به.
وعندما نتأمل سنجد أن هناك علوماً كثيرة، وأن هناك انجازات كثيرة، وأن هناك نجاحات كثيرة حققها غير المسلمين، أو غير أرباب الدعوة الإسلامية، فهل من حرج أن يقتبس أهل الدعوة من هذه الجوانب الخيرة والعلوم النافعة ليطوعوها لخدمة الدعوة وينتفعوا بها؟ الجواب لا حرج؛ لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم قد اقتبس والتمس مما ينفع الأمة في مجالات الوسائل والتبليغ للدعوة والتأثير في حياة الناس وتقديم حلول المشكلات شيئاً كثيراً عظيماً، وجاء من بعده من أصحابه، فكانت أبواب الاقتباس والانتفاع أوسع وأوسع، سيما في عهد الخليفة العادل الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فإنه دون الدواوين، وأنشأ ما لم يكن على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم من أمور المسلمين العامة، ومن المصالح المرسلة التي يحتاجون إليها، والتي ينتفعون بها دون أن تكون متعارضة مع دين الله عز وجل، ولا مخالفة لنص شرعي، ولا لقاعدة كلية من قواعد هذا الدين العظيم، ولذلك جعل دواوين للجند، فجعل هناك جيوشاً نظامية وكتب أسماء أفراد الجيوش لتصرف لهم الرواتب، وجعل هناك نظاماً للبريد، وجعل هناك أنظمة أخرى كثيرة، وأوجد أنظمة للعس والمراقبة الليلية، وأوجد أشياء كثيرة مما تحتاجه الأمة، واقتبس هذا مما كان في الأمم من حوله، ومما أدى إليه اجتهاده مع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم رضوان الله عليهم أجمعين.
إذاً لابد أن ندرك أن هناك حاجة ماسة للاقتباس في مجالات الدعوة، وأن الدعاة الذين يمارسون العمل الدعوي والتوجيه للمجتمع عبر كل صورة من الصور، وخلال أية وسيلة من الوسائل يحتاجون كثيراً إلى أن ينتفعوا وأن يقتبسوا ممن ليسو على ملة الإسلام؛ لأنه كما ورد في الحديث:(الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها)، وهذا حديث مرسل من رواية زيد بن أسلم رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأخرجه الترمذي وغيره، لكن المعنى فيه واضح وصحيح وصريح أن الإنسان المؤمن ينبغي أن يكون كيساً فطناً يستفيد من كل شيء حوله ما دام أنه ليس هناك ما يمنع من ذلك شرعاً.