ولما جاء عام الرمادة -وهو عام المجاعة الذي أصاب المدينة وبعض بلاد نجد، وبلغ الأمر مبلغاً- كان عمر أول المشاركين في تحمل هذه المعاناة، وأول المبالغين في الشدة على نفسه رحمة الله عليه ورضي الله عنه، وكان من شأنه -كما ذكر كُتَّاب السيرة- ما روى أسلم -وكان من مواليه والعاملين معه- فقال:(كنا نقول: لو لم يرفع الله المجاعة عام الرمادة لظننا أن عمر يموت هماً بأمر المسلمين)، أي: أنهم كانوا يخشون عليه الموت من شدة همه وغمة لحال الأمة في ذلك الوقت.
وقد روى الواقدي عن بعض أزواج عمر ونسائه:(أن عمر ما قرب امرأة من أهله في عام الرمادة؛ هماً بأمر المسلمين) أي: من شدة همه وتحمل مسئوليته، حيث إنه كان يتذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم في الإمارة:(إنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة)، فكان عمر يحمل الأمانة كما ينبغي أن تحمل، وكان يخشى الخزي والندامة خشية لا يتصورها كثير من الناس، وهكذا كان عمر في مباشرته وفي مشاركته لرعيته أنه بين أول صورة من صور المسئولية.