شكر النعم أول درس نلمحه في ذلك، ويلفت إلينا فيه النظر رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، ويبين أن هذا نهج أهل الإيمان، فموسى النبي المرسل كليم الله عز وجل فعل ذلك، ورسول الله فعله، وأمر أمته بفعله، فصامه موسى شكراً فقال:(نحن أحق بموسى منهم).
ثم تأمل الشكر؛ فإن دلالته عظيمة: قال السعدي في معناه: هو خضوع القلب واعترافه بالمنعم، وثناء اللسان عليه بالقول، وعمل الجوارح بمقتضى طاعته، وعدم استخدام نعمته في معصيته.
فما أعظم هذا المعنى وأوسعه وأشمله! إنه يتناول القلب في سويدائه، والنفس في أعماقها؛ شعوراً بالامتنان والاعتراف، والإقرار بالمنعم الواهب الرازق المعطي سبحانه وتعالى:{وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْ اللَّهِ}[النحل:٥٣] وكم هي النعم التي لا يقدر أحد شكرها، ولا يستطيع بشر أن يؤدي حقها! وكلكم يعرف الأثر الذي فيه أن عابداً قضى عمره في عبادة الله، ثم بعثه الله جل وعلا، وأمر أن يدخل الجنة برحمته، فقال العبد: بل بعملي يا رب! فقال الله جل وعلا لملائكته: زنوا عمله بنعمة بصره، فرجحت نعمة البصر بعمله كله، ولم تستطع أن توفيها حقها، فقال: بل برحمتك يا رب! ومن هنا نعرف قول المصطفى صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه: (لن يدخل أحد الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته).
ومن الشكر الثناء باللسان قال تعالى:{وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}[الضحى:١١] كم من الناس من تسأله عن حاله فيدعو بالويل والثبور وعظائم الأمور، ويأتي بالهم والغم، ويذكر المآسي والشرور، ولا يحمد الله عز وجل أن رد إليه روحه بعد أن أنامه، ولا يحمد ربه أن حفظ عليه إسلامه وإيمانه، ولا ينظر إلى ما سلب من غيره من نعم وهو ما زال متسربلاً بنعمة صحته وعافيته! ومن الشكر عمل الجوارح بمقتضى النعم، أين البصر وأين يرسل؟ أين السمع وإلام ما يصغي؟ أين اللسان وبم ينطق؟ أين الأقدام وإلى أين تسير؟ أين الأيدي وماذا تخط وماذا تعمل؟ {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِي الشَّكُورُ}[سبأ:١٣].
ومن الشكر بالعمل ألا يستخدم نعمته في معصيته، كم نحن في حاجة إلى أن نتأمل في حكمة الشريعة نحن نصوم ونصوم ونتابع السنة غير أنا لا نلتفت إلى المعاني الدقيقة، وتجد اللفتات الإيمانية والتربوية في نصوص قليلة، وكلمات معدودة من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.