[من المخاطر تمييع الولاء والبراء]
وثانيهما هو: مما عد اليوم من المحظورات التي ينبغي أن نكف ألسنتنا عنها، وأن نمنع أقلامنا من الكتابة فيها، وأن نعطلها من التدريس والتعليم، أتعلمون ما هو هذا الأمر؟ إنه أمر تنزلت به آيات من عند الله عز وجل، ولا يمكن لأحد من الخلق مهما كان أن يمحوها ويلغيها، بل لا يستطيع أن يغير حرفاً واحداً منها مهما كان شأنه.
إنها الحقيقة التي أريد أن أكشفها لكم بالآيات، وبما جاء في كتاب الله عز وجل، قال عز وجل: {وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ} [البقرة:١٦٥]، ويقول الحق جل وعلا: {لا يَتَّخِذْ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران:٢٨]، ويقول كذلك: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنْ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ} [الممتحنة:١]، إنه أمر الولاء والبراء، المحبة لله، والبغض في الله، إنه أمر يصورونه على أنه مناقضة للعدالة، أو مخالفة للسماحة.
وليس فيه شيء من ذلك، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أعدل الخلق، وأسمح الناس، وأرأفهم بالخلق جميعاً، ودعا وبصر وهدى غير المؤمنين، لكنه علم وعلّم أن بغض الكفر في ذاته وبغض الفحش والفاحشة في ذاتها أصل مرتكز من عقيدة المؤمن، وبين أن أهل الكفر إن ناصبوا العداء، وإن كادوا واستخدموا أساليبهم في المكر والدهاء، فإنه لا ينبغي لمؤمن يؤمن بالله ورسوله إلا أن يُكِن بغضهم، وأن يعتقد عداءهم، وأن يسعى إلى مواجهتهم، وذلك هو ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويوم جاءت المواقف الفاصلة بين إيمان وكفر مضى بعض الأنصار مع حلفائهم من اليهود في المدينة ينشدونهم النصر، ويطالبونهم الوفاء بالعهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنكلوا وتخاذلوا وأحجموا، فأي شيء قال ذاك الصحابي؟ قال: (اللهم إني أبرأ إليك من هؤلاء وحلفهم، وأكون مع الله ومع رسوله صلى الله عليه وسلم)، وفي هذه الحادثة تنزل قوله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [المائدة:٥١].
وكثيرة هي الصور التي نراها مخالفة لحقيقة التوحيد وهي ليست سجوداً لصنم, ولا بقاء عند قبر، وإن كان ذلك كله من المعارضات والمناقضات التي تجرح التوحيد، وقد تنقض أصله، وتدخل صاحبها في دائرة الشرك أو الكفر، أصغر أو أكبر كل بحسبه وبحسب حكمه.
إذاً: أحبتنا الكرام! أول ما حرم الله علينا هو: ألا نشرك به شيئاً، فإن التحريم لهذا تحريم قاطع؛ لأنه أساس كل ما يأتي من المحرمات والمأمورات.
فنسأل الله عز وجل أن يبرئ قلوبنا من الشرك به، وأن يطهر نفوسنا من الشرك به، وأن يطهر عقولنا من الشرك به، وأن يجعلنا أعظم اعتماداً عليه، وأصدق توكلاً عليه، وأشد إخلاصاً له، وأعظم خوفاً منه، وأصدق ثقة به، وألا يجعل في قلوبنا خوفاً ولا رهبة ولا رجاءً ولا تعلقاً إلا به سبحانه وتعالى.
اللهم إنا نبرأ إليك من الشرك والكفر وأهله، اللهم إنا نسألك أن تحبب إلينا عبادك المؤمنين، برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم تول أمرنا، وارحم ضعفنا، واجبر كسرنا، واغفر ذنبنا.
اللهم أصلح أحوالنا، واختم بالصالحات أعمالنا وآجالنا.
اللهم اجعل خير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم نلقاك وأنت راضٍ عنا.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واهدنا اللهم لما اختلف فيه من الحق بإذنك، وأخرجنا من الظلمات إلى النور برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، وأصلح اللهم أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين! اللهم وفق ولي أمرنا لهداك، واجعل عمله في رضاك، وارزقه بطانة صالحة تدله على الخير وتحثه عليه يا سميع الدعاء! اللهم احفظ بلاد الحرمين من كل سوء ومكروه، واحفظ اللهم عليها أمنها وإيمانها، وسلمها وإسلامها، وسعة رزقها، ورغد عيشها يا رب العالمين.
اللهم احفظ ديار المسلمين من كل سوء ومكروه.
اللهم رد كيد الكائدين، وادفع شرور المعتدين، وسلم ديار المسلمين، واحقن دماءهم، واحفظ أعراضهم وأموالهم يا رب العالمين! اللهم رد كيد الأعداء في نحورهم، واشغلهم في أنفسهم، واجعل الدائرة عليهم، لا ترفع اللهم لهم راية، ولا تبلغهم غاية، واجعلهم اللهم لمن خلفهم آية، وأنزل اللهم بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين.
اللهم انصر عبادك وجندك المجاهدين في كل مكان يا رب العالمين! عباد الله صلوا وسلموا على رسول الله؛ استجابة لأمر الله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦]، وترضوا على الصحابة الكرام، وأخص منهم بالذكر ذوي القدر العلي والمقام الجلي وهم: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وعلى سائر الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
اللهم صلَّ وسلم وبارك وأنعم على نبيك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
والحمد لله رب العالمين.