إنه الآفة العظمى التي يقع بها كثير من البلاء؛ لأن الكلمة الخاطئة أساسها الجهالة العمياء، جهل بالشرع، وجهل بالواقع، وجهل بالآثار المترتبة على الكلمة، فإن بعض الذين يفتون بغير علم، وإن الذين يقولون أقوالاً ينصرون فيها أعداء الله على أولياء الله كثير منهم جهال، لم يعرفوا الحكم الشرعي في مثل هذا الأمر، ولم يعرفوا الضوابط والمصالح الشرعية في هذه القضايا، ولذلك آفة الأخبار نقلتها من الجهلة، فربما يفتي العالم بالفتيا الصحيحة، فإذا بها ينقلها عنه جهلة يخطئون فيها، وينسبون الخطأ للعالم، فلا تبقى الفتوى صحيحة ولا العالم عالماً، ولذلك بين النبي صلى الله عليه وسلم مغبة وخطورة ذلك فيما يقع في آخر الزمان، عندما أخبر -كما في صحيح البخاري - عن أحداث آخر الزمان فقال:(يقل العلم، ويكثر الهرج.
قالوا: وما الهرج؟ قال: القتل) فقلة العلم شيوع للكلمة الخاطئة الجانحة في صوابها -أي: من حيث الحكم الصحيح- وفي أسلوبها من حيث الوضع والأسلوب الصحيح، وكم في حديث وهدي النبي عليه الصلاة والسلام من بيان لضرورة ضبط الكلمة، بل في كتاب الله عز وجل تحذير خطير لهذا:{وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ}[النحل:١١٦] فهذا النطق ليس أمراً هيناً، بل لابد أن يئول إلى علم صحيح غزير، ولذلك كان العلماء يتدارءون الفتوى فيما بينهم، والجهلاء يتسابقون عليها، وحسبك أن الصحابة كانوا يتدارءون الفتوى فيما بينهم حتى تعود إلى الأول منهم، كما روى بعض التابعين حيث قال:(ربما رأيت الفتوى تعرض على المائة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام كلهم يدرأ بها عن نفسه ويلقي بها على أخيه).
فالعلم هو أحكم ضابط وأعظم مشعل ينير الطريق للكلمة الصحيحة الصادقة الحكيمة.