ومع ذلك -أيها الإخوة الأحبة المؤمنون- ليست هذه هي الصورة، بل ثمة صورة أخرى تبشرنا بخير، تلك التي ننظرها في واقع أمتنا عموماً، وفي مثل هذه المناسبات والمواسم الإيمانية والعبادية خصوصاً.
فنحن بحمد الله اليوم نجد صوراً أخرى، نجد إيماناً في القلوب يقوى، وعزة في النفوس تزأر، وشموخاً في مواقف إخواننا المجاهدين في أرض فلسطين تبدي لنا صوراً عجيبة فريدة! كل الذي ذكرناه يقابله أنهم أبلوا في العدو بلاءً حسناً، وأنهم أقضوا مضجعه، وأنهم خربوا تجارته، وأفسدوا سياحته، وأدخلوا الرعب في قلوب أبنائه، وخلطوا أوراقه السياسية، وأوقعوا من القتلى في صفوفهم ما لم يقتل بمجموع كل الحروب التي كانت مع العدو الصهيوني في الحروب العربية الرسمية كما يقال.
ونرى فيهم وفي نسائهم وفي شبابهم صوراً تذل لها أعناقنا إعزازاً وإكراماً لها، وكذلك خجلاً من مواقفنا أمام تلك المواقف الشامخة البطولية العظيمة.
ونحن نرى جيلاً من العقيدة والإيمان يبزغ في كل بقاع الأرض، وكلما اشتدت قبضة الظلم والطغيان على أمتنا تفجرت ينابيع اليقين والإيمان في صدور أبنائها، وكلما عظمت صور المقاومة والجهاد والمغالبة لأعداء الله، وصور الرجوع والتمسك بدين الله، ألسنا نرى اليوم المساجد تملأ أكثر مما كانت من قبل؟ ألسنا نرى القرآن يتلى أكثر مما كان من قبل؟ ألسنا نرى مكة -حرسها الله عز وجل- ومسجدها الحرام يغص بالناس في زحام شديد لم يكن مشهوداً منذ سنوات قريبة ماضية؟ كل ذلك من مبشرات الخير التي نراها في أمتنا، والتي نستشرف فيها أملاً مشرقاً، ونستشرف فيها تعرضاً لسنة الله عز وجل، قال عز وجل:{إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ}[الرعد:١١].
ونرى فيها اقتراباً من تحققنا لما أراد الله منا ليتحقق لنا ما وعدنا الله به:{إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}[محمد:٧]، وذلك ما لا نغفل عنه؛ لكننا -وللأسف الشديد- نغفل عن الجانب الأول، والإعلام يصرفنا عنه، والسياسة تلبسه علينا، ونحن ربما ننصرف أو ننجرف وراء هذا التيار أو ذاك.