للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الطاعة يستنزل بها النصر]

لابد من كثرة الطاعات، ونحن نعلم أن استنزال النصر إنما يكون بحسن الصلة بالله، والتقرب إليه، وإعلان البراءة من معاصيه، ومخالفة أمره سبحانه وتعالى، وهذا أمر مهم نحتاج إليه، فننادي بنداء نوجهه إلى أنفسنا جميعاً: حافظوا على أداء الصلوات، وعلى وجه الخصوص فرائض الصلوات، كما قال عز وجل: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة:٢٣٨]، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم تؤت كبيرة، وذلك الدهر كله) رواه مسلم، ونحن نعرف هذا، ولكنني أقول: هل كل الناس يؤدي هذا؟ ألسنا نعرف أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن من آخر ما يُحل من عرى هذا الدين الصلاة؟ ألسنا نعرف أن من شبابنا ومن شيباتنا من يترك الصلاة فلا يؤديها مطلقاً، أو يؤخرها ويجمعها، أو لا يلتفت إليها؛ ويجعلها آخر موضع في اهتماماته؟! وأولئك منا وفينا ومن بيننا، ثم لا ننظر إلى أثر ذلك، ولا نلتفت إلى أن بسببه يقع كثير مما قدره الله عز وجل من البلاء والفتنة، نسأل الله عز وجل السلامة! عباد الله! احرصوا على شهود الجماعات؛ فإن المساجد تشكو إلى الله قلة المصلين في كثير من الأوقات والأحوال، بل وفي كثير من البلاد ما هو أعظم وأكثر مما في بيئتنا ومجتمعاتنا، والله عز وجل يقول: {قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ} [إبراهيم:٣١]، ويقول: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [البقرة:٤٣]، ويقول: {وَيُقِيمُونَ الصَّلاة} [البقرة:٣]، ويقول: {وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ} [الحج:٣٥]، وكل ذلك خطاب بصيغة الجمع.

وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم الحديث الذي تعرفونه في تفضيل صلاة الجماعة على صلاة الفرد، وقال ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه أثراً نحب أن نلفت أنظار الجميع إليه: (من سره أن يلقى الله غداً مسلماً فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن، فإن الله تعالى شرع لنبيكم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، ولقد رأيتنا -يعني: صحابة النبي صلى الله عليه وسلم- وما يتخلف عنها -أي: الجماعة- إلا رجل معلوم النفاق) رواه مسلم.

فلو طبقنا هذه القاعدة التي كانت سارية المفعول عند الصحابة لصلحت أحوالنا، فكم منا في مجتمعاتنا من يصدق عليه وصف النفاق؟! كم هم المتخلفون عن الصلاة في الجماعات، السائرون في الغي واللهو الشهوات؟! هؤلاء لم يلتفت نظرهم إلى حديث أبي هريرة عند البخاري في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، فآمر رجلاً يؤم الناس، ثم أخالف إلى أقوام لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم).

وهذه أمور موجودة لا نحتاج إلى إفاضة القول فيها، لا سيما صلاة الفجر، تلك الفريضة التي رحم الله من يؤديها اليوم جماعة، وأصبح من يصليها جماعة يشهد له بأنه أعظم الناس إيماناً، وأكثرهم صلاحاً، وأجلهم فضلاً، وأعظمهم مرتبة، وهي من الفرائض التي لابد لكل مسلم أن يحافظ عليها، ولكن صار الحفاظ عليها فرقاناً بين إسلام والتزام، وبين تفريط وتضييع، والله عز وجل يقول: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء:٧٨] أي: تشهده الملائكة.

وفي حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيح أنه قال: (يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، فيجتمعون عند صلاة الفجر والعصر)، وترفع الملائكة شهادتها لمن يشهدون الصلاة، فكم من مسلم لا يحظى بتلك الشهادة، ولا يكتب في تلك الصحائف، ولا يدرج اسمه في تلك التقارير المرفوعة إلى علام الغيوب سبحانه وتعالى؟! ثم نقول بعد ذلك: ما الذي جرى؟ وما الذي حصل؟!