[علاج أحوال الأمة والأفراد في الإيمان بالله عز وجل]
هناك صورة أخرى من صورنا المحزنة المؤلمة التي علاجها جزماً وقطعاً في هذا الإيمان وروائه ونوره وإشراقه وآثاره: كم نرى صوراً فيها القلوب متنافرة، والنفوس متشاحنة، والصفوف متخالفة؟ كم نرى الخلاف وهو شائع، والاعتداء وهو ذائع؟ كم نرى صوراً من القتل باسم الإسلام يحصل؟ كم نرى صوراً من التدمير بدعوى الإصلاح تقع؟ كم نحن في حاجة إلى أن نؤكد معنى الإيمان الأعظم ودلالته الكبرى في أخوة القلوب واتحاد النفوس وارتباط الصفوف وتكاتف المؤمنين؟ كم نحن في حاجة إلى أخوة الإيمان وعصمة الإسلام؟ كم نتساءل اليوم: أين القلوب المتآخية؟ وأين النفوس المتصافية؟ وأين الرحمة الغامرة؟ وأين المودة العامرة؟ وأين نحن من قول الله جل وعلا:{أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ}[المائدة:٥٤]؟ وأين نحن من قوله جل وعلا في وصف أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم:{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}[الفتح:٢٩].
وأين نحن من القصر الذي يتضح من قوله جل وعلا:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}[الحجرات:١٠]؟ لا يكون إيمان كامل إلا بأخوة صادقة، ولا تقوم أخوة حقيقية إلا على إيمان صادق.
أين نحن من حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم:(لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، وقوله عليه الصلاة والسلام:(المسلم أخو المسلم لا يسلمه ولا يخذله)؟ وأين المعنى المتجلي في الصورة العظيمة الفريدة التي لم يسطر تاريخ البشرية مثلها أبداً، صورة المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار؟ فالمهاجرون تركوا ديارهم فنزلوا على قلوب إخوانهم قبل أن ينزلوا في دورهم، إنها صورة تجلت في آيات القرآن، كما في قوله عز وجل:{وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[الحشر:٩]، فهل رأت الدنيا صورة من الوحدة والألفة والمحبة مثلما كان بين أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم؟ فأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجرون وأنصار، وأوس وخزرج، وفرس وروم وأحباش، كلهم إخوة مؤمنون تربطهم رابطة الإيمان، ومحبة تتدفق من القلوب، ومودة تشيع في النفوس، وأكف بعضها بأيدي بعض، ليس بينهم اختلاف ولا شحناء ولا بغضاء، ذلك هو داعي الإيمان الذي يدعونا ويجعل المؤمن عندنا والمسلم أولى أحد نحبه ونواليه، ونسأل عن حاله، وننصره وندعو له، ونهتم لهمه ونغتم لغمه، وندفع عنه بقدر استطاعتنا وجهدنا وطاقتنا.