للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تربية الأولاد بين توجيه البيت وهدم المدرسة والشارع]

السؤال

نحاول توجيه بناتنا وأولادنا بالقدوة الحسنة في البيت، ولكن المدرسة والشارع قد يعيقان التوجيه، خاصة في مسألة تربية البنات وتوجيههن للحجاب، فنريد التوجيه للطريق الذي نسلكه في التربية والتوجيه بما لا يأتي بأمور عكسية، خاصة في أمور الفتيات؟

الجواب

السؤال مهم وخطير وواقعي، فلذلك أقول: في المجتمع المتكامل إسلامياً تجد أن العوامل الأخرى تعينك وقد تكفيك المئونة، أما في مجتمعات لا تطبق الإسلام، أو يكون التطبيق الإسلامي فيها منتقضاً في أكثر جوانب الحياة فتجد أن دورك يحتاج إلى أن يكون مضاعفاً؛ لأنها قضية محسومة، فلكل فعل رد فعل يضاده في الاتجاه ويساويه في القوة، فهناك فعل كثيف وهجوم شديد يحتاج إلى قوة في الرد، لذلك أهم وأولى ما يعتنى به التنشئة في الصغر؛ لأن الطفل يشب على ما تعود، سواء في ذلك الفتى والفتاة، وهذا أمر مهم.

الجانب الثاني: الترسيخ الإيماني لكل المعاني الإيمانية المتعلقة بالرقابة والمخافة من الله عز وجل، وهذا أهم؛ لأنه لا يستطيع الأب ولا الأم مطلقاً أن يفعلا -كما يتصور بعض الآباء والأمهات- رقابة صارمة دائمة، سواء بالقوة أو بالسوط أو بالصراخ، فكل ذلك لا يفيد؛ لأنك -أيها الأب- ستخرج من البيت، وستغيب قطعاً، وتنشغل أحياناً، وهنا إذا زال هذا الجانب الرقابي وليس هناك جانب داخلي يحصل الانحراف والتفلت.

الجانب الثالث: استمرار الإبعاد عن الأمور المثيرة المحرمة قدر الاستطاعة، فإذا علمت أن ثمة –مثلاً- مناسبة اجتماعية فيها بعض الأمور المحرمة فعليك أن تنأى بنفسك عنها، ولتبتعد عنها، ولتبعد أهلك عنها.

الجانب الرابع: توفير الأجواء الطيبة الطاهرة العفيفة النقية في كل مجال قدر الاستطاعة.

وأما الجانب العملي فزواج الشباب والشابات في أقرب الأوقات، وبأيسر الأمور قدر الاستطاعة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم عقد على عائشة وهي ابنة ست، ودخل بها وهي ابنة تسع.

فهل نحن خير أو أعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! ثم لماذا هذه المغالطة؟ فـ الشافعي رحمه الله قد قال: رأيت جدة لها واحد وعشرون عاماً.

أي أنها كانت بلغت وعمرها تسع سنوات، وهو السن الأقل في البلوغ غالباً، فتزوجت وعمرها عشر سنوات فأنجبت بنتاً، فبنتها بعد تسع سنوات تزوجت، وكانت الأم قد بلغ عمرها عشرين، وبعد سنة ولدت البنت فصارت أمها جدة وعمرها واحد وعشرون، ولذلك من عوامل التربية قلة الفارق في السن بين الآباء والأبناء والأمهات والبنات.

وأما اليوم فيكون الرجل في الأربعين وينجب له أول ولد يتدرب عليه، ويتعلم -كما يقولون- الحلاقة في رأسه، ولم يتعود على القرب من ابنه، وكثيرون منا لا يستطيعون أن يخاطبوا أبناءهم الصغار، ولا يستطيع أن يتحاور معه، وفي الغالب لا يتكلم معه، ودائماً الابن مع أبيه ساكت لا يتكلم، والكلام هو الأمر: اذهب وأحضر، اذهب، افعل، لا تفعل.

بينما عندما يكون هناك التقارب في الشيء تجد الفرصة لممارسة التربية والتوجيه الأكبر، ثم نحن لماذا نستصغر الشباب؟ نستصغرهم لأننا فقدنا المعاني الإيمانية والتربوية، فهذا أسامة بن زيد قاد جيشاً وهو ابن السابعة عشرة، ومحمد بن القاسم فتح الهند والصين وهو في السابعة عشرة! وأما نحن اليوم فنرضى أن يكون القائد متزوجاً، لكننا ننظر إلى الطالب في السنة الثالثة الثانوية وننظر إليه كأنه ما زال رضيعاً، فهذه النظرة نحن أوجدناها، ثم بنينا عليها ما بنينا من الأحكام، بل قل: الأوهام.

فهذا -أيضاً- أمر مهم، فكل يأخذ بما يستطيع ويجد ويخلص، ومن كان مخلصاً سهل الله عز وجل له، ويخاف الناس الآن من أمور المعاش، مع أن الرازق هو الله عز وجل، وقد يقولون: هذا كلام صحيح، ونحن نؤمن أنه: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} [الذاريات:٢٢] لكننا لا نريد أيضاً أن نكتفي بالقليل وبالكفاف، بل نريد أن نأكل خمس وجبات في اليوم، ونريد أن يكون عندنا العديد من أنواع الأثاث.

ونحن فرضنا أشياء وأموراً لا حاجة لها، ولو نظرنا إلى أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبيات أزواجه، ولو نظرنا إلى سلمان رضي الله عنه لوجدنا عجباً، وستقول لي: ذاك في عصره! فأقول: نعم.

ولكن هناك نسبة في الأمور، فهل لابد من أن يكون عندك فلة؟! أو يكون عندك كذا غرفة؟! نسأل الله عز وجل السلامة.