[المخاطر والمفاسد الناتجة من الاستخدام السلبي للهاتف]
والأمر المهم في هذه الناحية بإيجاز -أيضاً- بعد ذكر أسباب المشكلة نظريًا ثم عملياً ثم بعض الوسائل هو: ما الذي يحصل من المفاسد والأخطار من هذا الهاتف نتيجة الاستخدام السلبي؟ لأن الاستخدام الإيجابي معروف أنه يقضي الحوائج.
أول قضية: قضية ضياع الوقت فيما لا فائدة فيه ,بل فيما قد يكون أمراً محرماً, فطول المكالمات التي تقع -سواء بين النساء أو حتى ربات البيوت- ضياع للوقت, وغالباً ما يكون فيها الغيبة والنميمة, والقيل والقال, وأخبار فلانة وعلانة, وبني فلان وأهل فلان إلى آخر ذلك, وتستمر المكالمات ليس الساعة والساعتين, بل الثلاث والأربع، وكذلك المكالمات التي تقع بين الشباب والشابات والفتيان والفتيات أيضاً تستمر إلى ساعات طويلة, ويكون فيها من كلام الفتنة والإغواء والإغراء ما فيها, إضافة إلى أنهم يستخدمون جزءًا طويلاً من الأوقات في مساعدات, بمعنى أنه ليس بالضرورة أن يكون طول المكالمة هو الحديث, بل ربما يستخدم المسجل أو الراديو ليسمع الطرف الآخر أغنية, ثم يعلقان على الأغنية، أو نحو ذلك من الأمور, أو يكون جزءٌ من المحادثات صمتاً وتفكيراً وآهات ونحو ذلك، وهذا كله من الأسباب التي تؤدي إلى الفتن وإلى زيغ القلوب، نسأل الله سبحانه وتعالى السلامة.
ومن المفاسد أيضاً حصول التعلق بالمحرمات والمعاصي, والقرب منها, واللهفة عليها, وهذا يحصل من خلال الاستمرار في هذه المكالمات والمعاكسات والمغازلات ونحو ذلك، فإنك تجد مثل هذا الأمر يستمرئه الإنسان شيئاً فشيئاً, ويقع منه أخطاء كبيرة تدريجياً، فهذا الجانب أيضاً تقع به الخطورة, فتجد الفتاة دائماً في الأحلام الوردية، وفي فتى الأحلام, وتبقى هائمةً مع معسول الكلام الذي هو عبارة عن نوع من الطعم الذي تصاد به, والخاسر الأول والأخير فيه هو هذه البنت أو تلك الفتاة المغررة الغافلة الساذجة.
وكذلك أيضاً من القضايا الخطيرة ما يترتب على هذه المكالمات من أسباب عملية, على نسق قول القائل: نظرة فابتسامة فسلام فكلام فموعد فلقاء وكذلك الإغواء، كما قال القائل: خدعوها بقولهم حسناء والصبايا يغرهن الثناء فهذا الإغواء والإغراء ينتج عنه أنه يطلب مقابلتها, وبعد المقابلة يطلب المصاحبة, وبعد المصاحبة يطلب المرافقة أو الخلوة الطويلة, ثم ينشأ عن ذلك ما هو معلوم في آخر الأمر من وقوع الفواحش نسأل الله سبحانه وتعالى السلامة.
وللأسف -أيضاً- أن الهاتف السيار الذي هو من النعم يستخدم استخدامًا سيئاً في هذا الجانب, فإن المكالمة تكون في السيارة, ثم يتم وصف المنزل, ويواصل: أنا في هذا الشارع عند هذه الإشارة، خذ يمينك، خذ يسارك.
حتى يصل إلى الموقع فيقال: انظر إلى الدور الثالث، انظر إلى النافذة المفتوحة.
وهذا يقع بالفعل, ويحصل منه كثير من المشكلات؛ لأنه يسحب ويجر من حيث يشعر هؤلاء أو لا يشعرون, والأسرة غافلة, والأب والأم في سهو ولهو, بل إن المشكلات تتضاعف حيث إنه تقع المشكلة في مقتل أكبر عندما تقع في هذا الأمر وفي هذه الفتنة ليست الفتاة وإنما الزوجة، فإذا بالزوجة تنحرف مع رجل آخر, وإذا بالزوج يتعلق بامرأة أخرى, وتقع فوضى من التحلل والانحراف وحصول الفاحشة والجرائم بما لا يمكن أن يتصوره الإنسان عندما لا يسد هذا الباب.
أيضاً من القضايا التي تقع في هذه المكالمات ما يقع -أيضاً- من الإغراء أو من حصول الأمر الذي يسهل الفواحش ويجعلها هينة سهلة, فتجد أن بعض هذه المكالمات تستخدم فيها كل الألفاظ البذيئة والعارية والمكشوفة, بل إنها ربما تبلغ مبلغاً يكون فيه من الأوصاف ما لا يكون إلا في المعاشرة بين الرجل وزوجته.
وأيضاً من الأسباب الخطيرة استخدام المكالمات في الحصول على المطالب، فإن بعض الناس وبعض هؤلاء الشباب -خاصة المنحرفين والمحترفين في نفس الوقت- يسجلون هذه المكالمات, ثم يهددون بها الفتيات الغافلات, مثل التي تقول: أجرب في أول الأمر.
فإذا بها تجد أن المكالمة مسجلة, ثم يتصل مرة أخرى ويسمعها صوتها، ومن غفلتها أو من خوفها أو من رهبتها من أهلها تبدأ الأمور تختلط على هذه الفتاة, وتقع في ما لا تحمد عقباه.
وأيضاً تستخدم هذه الأشرطة -وللأسف الشديد- كنوع من أشرطة الإغواء والأغراء بشكل عام, وكأنها شريط فيديو فاحش أو نحو ذلك؛ لأن فيها تسجيلات أحياناً بذيئة, وقد رأيت ذلك وسمعت بعضاً منه ممن أخبرني به وأتى به إلي, وللأسف أنه في بيئاتنا ومجتمعاتنا وفي مدينتنا ليس في غيرها.
ومن هذه المفاسد والأخطار إثارة المشكلات العائلية، حيث يسبب استخدام الهاتف -في مثل هذا خاصة- في إثارة المشكلة بين الرجل والمرأة أو الأبناء والبنات, وذلك من خلال بعض المعلومات التي يعرفها, سواء أكان قريباً أم من المعروفين, أم من خلال التدرج في الاتصالات الهاتفية، ثم يجد الصد أو يجد المنع, فحينئذ يتصل بالرجل ويقول له: إني أعرف زوجتك.
أو: اتصلت بها أو ذهبت معها.
أو نحو ذلك, أو يفتعل قضية غير صحيحة، لكن لها بعض الأسباب، كما يستخدم أيضاً في الغفلة أحياناً عندما يتصل متصل, فتظن المرأة أنه صوت أخ لها أو قريب لها, فتأخذ معه في الحديث ولا تنتبه, وتعطيه بعض المعلومات, ثم يبدأ يستخدم هذه المعلومات مرة أخرى في سبيل تدمير الأسرة, خاصة حينما يكون هناك عداء أو قصد لهذا الضرر, فإنك تجد أن الهاتف واستخدامه السيئ يصل بهذه القضايا إلى حد الطلاق, بل إلى حد وقوع الجرائم التي تصل إلى جريمة القتل.
فهذا الأمر يقع به كثير من المخاطر كما أشرنا وأوجزنا, فالقضية تترتب على أن هذا الاستخدام ينبغي أن يكون موجهاً ومنضبطاً ومراقباً من قبل رب الأسرة, وأن لا تكون تلك الأسباب التي أشرنا إليها مما فيها دفع إلى الخطأ والأخطار أو تهيئة لها متروكة العنان.
وربما كان في الحديث مزيد من التفصيلات والتفريعات, لكن الوقائع في هذا كثيرة جداً, ونجد أن الأمهات والآباء -لا سيما إذا كانوا كباراً في السن- تنطوي وتنطلي عليهم حيل الأبناء التي تعلموها –وللأسف- من الزملاء ومن المدارس ونحو ذلك, فالابن يتكلم مع البنت، ويذكر الضمائر, ويكون معروفاً بين الاثنين أنه يقول لها: كيف حالكَ؟ فتعرف أنه قد جاء أحد إلى مكان الولد, والبنت تؤنث حينما تتحدث مع الرجل, فتخاطبه مخاطبة الزميلة، ويكون الآباء والأمهات غافلين.
ولقد جاءني أحد المصلين مرة يشكو أنه ليس مقيماً مع أهله, بل هم في مكان آخر, فإذا به عندما زارهم في أحد المرات وجد أن بعض أخواته متعلقة بالهاتف بنوع من المعاكسات والاتصالات غير المحمودة, فأراد أن يتحقق، فاكتشف وسجل, فوجد أن المفاسد قد تغلغلت، فلما نصحها قالت: هذا صديقي! وماذا يكون في أن أكلمه في الهاتف؟! فلما شكا للأم قالت له: إذا أردت أن تزورنا بدون مشاكل فحياك الله, أما أن تسبب مشاكل فلا، فالبنات طيبات, وليس عندهن مشكلة، وأنا دائماً معهن, وما رأيت منهن سوءًا قط.
وأصبح هو المتهم وهو المخطئ، وهذا يقع –وللأسف- كثيراً.