[ليلة القدر هي الجائزة الكبرى التي لا تقارن بها الدنيا وما فيها]
العشر الأواخر هي الفرصة الأخيرة، وكما نرى أهل الدنيا وهم يجعلون مواسم وأياماً للجائزة الكبرى، نراها قد ملئت بها صفحات الجرائد، وتتكرر على شاشات التلفاز، وأما الليلة الكبرى والجائزة الكبرى التي لا تقارن بها الدنيا كلها بما فيها فهي بين أيدينا، ولا يفصلنا عنها ونحن في العشر سوى أيام قلائل، ولا يبعدنا عن إدراك خيرها ونيل أجرها وحصول مثوبتها إلا أن نجدد التذكر ونحسن الامتثال (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخلت العشر شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله) اجعل هذه الجمل الثلاث نصب عيبك، فهي جمل موجزة رائعة بديعة تحكي حياة قلب وروح وعبادة ليل، لا يكاد يفتر فيها عليه الصلاة والسلام ما بين صلاة وتلاوة وذكر ودعاء، ولا يخرج من مصلاه كما في الصحيح، وكان ربما يدني رأسه إلى حجرة عائشة فترجله، أي: ترجل شعره وهو معتكف في المسجد عليه الصلاة والسلام، فليس هناك شيء يمكن أن يقال أبلغ وأوجز مما ذكرته عائشة وذكره أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
تلك عشر ليالٍ تتحول فيها الأحوال تحولاً تاماً نحو الانقطاع عن الدنيا والانشغال بالآخرة والتفرغ للعبادة، وترك الأحوال المعتادة، وليس هناك ما يقال إلا أن نذكَّر بأن كل ليلة من رمضان لله فيها عتقاء من النار، وقد ورد كذلك أنه إذا كانت الليلة الأخيرة كان من العتقاء مثلما أعتق الله من أول الشهر، ولا تغفل كذلك عن العبادة ليلة العيد التي ينشغل فيها الناس فلا يكادون يذكرون ولا يصلون ولا يدعون ولا يتهيئون لأن يودعوا شهرهم باستيداع مزيد من العمل الصالح في خزائن رمضان.
أيها الأخ الحبيب! ونحن نتذكر ونذكر أنفسنا بمثل هذه المعاني نتذكر أيضاً أحوال أمتنا، ولابد لنا ونحن نتذكر الحياة التي نحن فيها من الخير ومن نعمة الله عز وجل من أن نتذكر من حرموا تلك النعم، ومن يعيشون في كل يوم على صوت أزيز الرصاص، وقصف الدبابات، واشتعال النيران، وعدوان المجرمين الظالمين الغاصبين المعتدين في كل بقاع الأرض بدءاً من فلسطين، ومروراً بالعراق، وانتهاء بالشيشان، وتعريجاً على كشمير وفي غيرها من الجهات التي فيها جاليات مسلمة تضطهد أو تعذب، ولذلك ينبغي ألا نقتصر على الدعاء لأنفسنا ولأهلنا ولديارنا وبلادنا، وينبغي أن يكون لهم حظ من دعائنا، فندعو لأمتنا وإخواننا، ونسأل الله أن يصلح أحوال واقعنا، علَّ الله سبحانه وتعالى في هذه العشر المباركة أن يتداركنا برحمته، وأن يجعلها فرجاً لكل من به ضيق، ويجعلها سبحانه وتعالى نصراً لكل من له جهاد، ونسأله سبحانه وتعالى أن يقوي في هذه الأيام والليالي عزائمنا على طاعته، وهمتنا في طلب مرضاته، وأن لا نشغل عن ذلك بسفساف الأمور.
الصوم جُنَّة أقوام من النار والصوم حسن لمن يخشى من النار والصوم ستر لأهل الخير كلهم الخائفين من الأوزار والعار والشهر شهر إله العرش مَنَّ به ربٌ رحيمٌ لثقل الوزر غفار ينبغي لنا أن ندرك هذه الفضائل، وأن نتهيأ لها ولا نشغل عنها، ونسأله سبحانه وتعالى الرضوان، والعتق من النيران، ودخول الجنان برحمته فهو الرحيم الرحمن سبحانه وتعالى.
اللهم! إنا نسألك أن تستعملنا في طاعتك، وأن تسخر جوارحنا في طاعتك، وأن تجعلنا ستاراً لقدرك في نصر الإسلام والمسلمين.
اللهم! اجعلنا بكتابك مستمسكين، ولهدي نبيك صلى الله عليه وسلم متبعين، ولآثار السلف الصالح مقتفين.
اللهم! إنا نسألك التقى والهدى والعفاف والغنى، اللهم! اهدنا واهد بنا، واجعلنا هداة مهديين برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم! اجعلنا ممن يشد مئزره، ويحيي ليله، ويوقظ أهله، ويشغل أيامه ولياليه بالذكر والطاعات والدعاء والمناجاة برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم! أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر يا سميع الدعاء.
اللهم! مكن في الأمة لأهل الخير والرشاد، واقمع أهل الزيغ والفساد، وارفع في الأمة علم الجهاد.
اللهم! املأ قلوبنا بحبك، وأسجِد جباهنا لعظمتك، واجعل أقدامنا سائرة إلى طاعتك، واجعل أيدينا منفقة في سبيلك برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم! إنا نسألك أن تجعل بلدنا آمناً مطمئناً رخاء وسائر بلاد المسلمين، اللهم! أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم! وفق ولي أمرنا لهداك، واجعل عمله في رضاك، وارزقه بطانة صالحة تدله على الخير وتحثه عليه يا سميع الدعاء.
اللهم رحمتك ولطفك بعبادك المؤمنين المضطهدين، والمعذبين والمشردين والمبعدين والأسرى والمسجونين والجرحى والمرضى في كل مكان يا رب العالمين.
اللهم! امسح عبرتهم، وسكَّن لوعتهم، وفرَّج همهم، ونفس كربهم، وعجَّل فرجهم، وقرَّب نصرهم، وادْحر عدوهم، اللهم أمّن الخائفين، واكسُ العارين، وأطعم الجائعين، وسكنِّ المشردين، وانصر المجاهدين برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم! اجعل لنا ولإخواننا من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل فتنة عصمة، ومن كل بلاء عافية يا سميع الدعاء.
اللهم! انصر إخواننا المجاهدين في أرض فلسطين وفي كل مكان يا رب العالمين.
اللهم! ثبت خطوتهم، وسدد رميتهم، ووحد كلمتهم، وأعْلِ رايتهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم يا رب العالمين.
اللهم! أفرغ في قلوبهم الصبر واليقين، وثبت أقدامهم في مواجهة المعتدين، واجعل الأيام والليالي المقبلة أيامَ ولياليَ نصر وعز وتمكين برحمتك وقدرتك وعزتك يا رب العالمين.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين