للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الأسباب التي من أجلها خالف النبي صلى الله عليه وسلم اليهود في صيام عاشوراء]

قصد النبي صلى الله عليه وسلم مخالفة اليهود لأسباب كثيرة، وحكم عظيمة.

منها: ألا يكون لأولئك القوم المتكسبون بدين الله، المتحايلون على شرائع الله مدخلاً لإثارة الشبهات، فإنهم يقولون: إنما فعلوا ذلك موافقة لنا، ومتابعة لنا، وليس عندهم شيء، وما جاءوا به إنما هو من آثار ديانتنا وكتبنا، فيبلبلون العقول والأفكار، ويروجون الشبهات، وذلك ديدنهم، بل بعد هذه الآيات قد أورد الحق سبحانه وتعالى قوله جل وعلا: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة:١٠٦]، لأنه لما توجه النبي صلى الله عليه وسلم زماناً إلى بيت المقدس، وجعلها قبلته، ثم تحول قالوا مقالتهم: إما أن يكون على حق في الأولى فهو على باطل فيما قصد إليه من التوجه للكعبة، وإما أن يكون على باطل فأي دين هذا الذي يكون فيه الخلل والخطأ؟! فرد الله عز وجل عليهم أن ذلك أمر الله وهذا حكمه، وجعل ذلك تميزاً وتفرداً لأمة الإسلام.

وإذا نظرنا فإنا واجدون حكماً أخرى: منها كذلك: بيان زيادة الفضل والمثوبة والأجر لأمة الإسلام بزيادة العمل الصالح.

ومنها كذلك: منع تسرب الأثر السيئ للموافقة؛ لأن طبيعة النفوس إذا وافقت في أمر وآخر وثالث فإنها تميل بعد ذلك إلى موافقة عامة، وإلى تأثر كبير، فقطع النبي صلى الله عليه وسلم دابر ذلك.

وليس هذا في هذا الوجه فحسب، فقد روى أبو داود في سننه من حديث شداد بن أوس عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلوا في نعالكم خالفوا اليهود).

وقصد النبي صلى الله عليه وسلم مخالفة اليهود والمشركين وغيرهم قصداً كما ورد عنه عليه الصلاة والسلام: (خالفوا المشركين) في رواية البخاري، وفي رواية مسلم (خالفوا المجوس، أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى)، فقصد المخالفة لبيان التميز والتفرد، وأن الذي وقعت به المخالفة هو الكمال الأتم والأفضل؛ لأنه لا يكون في هديه صلى الله عليه وسلم وسنته إلا ما هو الأعظم في تعظيم الله عز وجل، والأفضل في عبادته سبحانه وتعالى.

فإذا كان هذا المقصد بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن في هذا المقام وفي هذه الأيام نذكر بهذه السنة الجليلة العظيمة بصيام عاشوراء، ويوماً قبله أو يوماً بعده، وقد قال أهل العلم: إن صيام الثلاثة أرجح، وصيام التاسع والعاشر بعده، وإفراد العاشر وحده لمن لم يستطع درجة ثالثة، ولم يرد صيام العاشر والحادي عشر وحده، وإن كان فيه المخالفة؛ لأنه وإن كانت فيه المخالفة فإن القصد الأعظم إنما هو متابعة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الذي قال: (لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع) عليه الصلاة والسلام.