للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معالم قرآنية في الحث على الإنفاق]

صور كثيرة تجعلنا نتذكر ونهتم ونعتني بهذه الشعيرة في الإنفاق والبذل والعطاء الذي نبتغي به أجر الله سبحانه وتعالى، ونجد لذلك بعضا ًمن المعالم والمعاني القرآنية المهمة التي يحسن الذكر لها، ولعلنا نستحضر حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (ما نقص مال من صدقة)، فهذه معادلة صادقة، وهي أصدق من المعادلات الرياضية، وهي أوضح وأصدق من قضية واحد يزاد عليه فيصبحان اثنين؛ لأن هذا خبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم.

صحيح أنه قد يكون عندي الألف، فإذا أخرجت مائة أصبح تسعمائة، لكنه صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الآخر: (فيقبلها ربه بيمينه فيربيها له كما يربي أحدكم فلوه، حتى تكون عند الله مثل جبل أحد).

صدقة يسيرة تضاعف حتى تصبح مثل جبل أحد، وجبل أحد محيطه إذا سرت حوله بالسيارة يبلغ ستة كيلو مترات، وانظر إلى حجمه وضخامته، ولا تظن أن هذه مجرد أمثال، بل هي خبر حقيقي صادق ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلماذا لا نعتقد يقيناً أنه لن ينقص هذا المال من الصدقة من حيث الأجر الأخروي، ومن حيث البركة الدنيوية؟ ومن حيث البركة فهي في وجهين: قليل يبارك فيه فينفع ويفيض، ونرى ذلك كثيراً، ترى من عنده راتب قليل وعيال كثير وهو مبتسم منشرح الصدر، ويأتي آخر شهره وقد قضى حوائجه بحمد الله، وآخر راتبه أضعافه وأبناؤه أقل منه، ومع ذلك يشكو من الويل والثبور وعظائم الأمور، ومن ضيق ذات اليد، وليس الأمر في الكثرة ولكنه في البركة، والبركة لا تحل إلا بطاعة الله والاستجابة لأمره والإنفاق في سبيله والتفقد لعباده.

وينبغي أن نوقن بذلك، وأن نراه جزماً في واقع حياتنا، ومن البركة كذلك أنك تنفق ويزيد الله سبحانه وتعالى لك ويخلف عليك؛ لأنه وعد، ووعده صادق سبحانه وتعالى.

ومما ينبغي أن يحرص عليه المتصدق أمر الخفاء والسر والتجرد بالإخلاص في النفقة، كما قال جلا وعلا: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة:٢٧١].

وفي الحديث المشهور عنه صلى الله عليه وسلم في شأن السبعة الذين يظلهم الله تحت ظله يوم لا ظل إلا ظله قال: (ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)، ولعمري ما من بلاغة أحسن من هذا التعبير النبوي، حتى إن اليدين وهما في جسد واحد لا تعلم اليسرى ما أنفقت اليمنى، فغير ذلك من الخفاء أولى، وذلك هو معروف بصدقة السر التي لها عظيم الأجر وعظيم الأثر في الوقت نفسه.

وأعظم من هذا وذاك: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة:١٠٣]، أي: تسل سخائم النفوس، وتسل ضغائن القلوب، وتطهر النفس من الشح والبخل، وتطهر نفوس الفقراء من الحسد.

صور كثيرة أصبحنا نراها في مجتمعاتنا يوم ضعفت صلتنا بكتاب ربنا وبسنة نبينا وبديننا وإسلامنا.

ألسنا نرى هذا وهو يحسد ذاك، وهو يتمنى لو أنه أخذ ما عنده؟ وترى الآخر وهو يشح ويبخل ويرى غيره غير مستحق لنعمة الله عز وجل.

كم هي هذه الصور التي لا يغيرها إلا منهج الله وإلا عبادة الله سبحانه وتعالى، والله جل وعلا قد قال في وصف الإنسان: {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا} [الفجر:٢٠]، وكثيرة هي الأمور المتصلة بهذا الشأن، ولعلنا ننتبه لها، وسنعرف كذلك من بعد ما يضادها.

نسأل الله عز وجل أن يبلغنا رمضان، وأن يوفقنا فيه للصيام والقيام والذكر والتقوى، وأن يبعدنا ويجنبنا عن كل ما فيه غفلة ومعصية، إنه ولي ذلك والقادر عليه.