للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[رتباط دعوة الإصلاح بالداعي إليها وتوفيق الله له]

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم واقتفى أثرهم ونهج نهجهم إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.

أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون! أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله، فإن تقوى الله أعظم زاد يقدم به العبد على مولاه، وإن من تقوى الله عز وجل الارتباط بمنهجه وبإرشاده وتوجيهه فيما جاء في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في إصلاح أحوال العباد والبلاد، التي نسأل الله عز وجل أن يمن بها علينا وعلى بلادنا بلاد الحرمين الشريفين، ونسأله سبحانه وتعالى أن يبصرنا بالنهج القويم، والصراط المستقيم، وأن يدرأ عنا الفتن والمحن والأغاليط والأباطيل، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

ومضات الإصلاح في القرآن كثيرة، ولئن وقفنا مع هذه الآيات القليلات من جزء من قصة شعيب عليه السلام، فإن ما وراء ذلك أكثر وأظهر، ولنا عنه أحاديث لاحقة إن شاء الله.

غير أني أورد هنا ما ذكره ابن كثير في تفسيره لهذه الآيات، لما له من دلالة مهمة، عندما روى حديثاً عن أبي حميد وأبي أسيد رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا سمعتم الحديث عني تعرفه قلوبكم، وتلين له أشعاركم وأبشاركم، وترون أنه قريب منكم، فأنا أولاكم به، وإذا سمعتم الحديث عني تنكره قلوبكم، وتنفر منه أشعاركم وأبشاركم، وترون أنه بعيد منكم، فأنا أبعدكم منه) رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح كما ذكره ابن كثير.

وسياق هذا الحديث في هذه الآيات له دلالة على مسألة مهمة، إن دعوة الإصلاح ترتبط بالداعي إليها، فإذا نظرنا إلى الداعي وأحواله، فغلبت أحوال الخير عليه، فلم نعرفه إلا من أهل الصلاح والتقى، ولم نعرف له من المواقف إلا مواقف الخير والإصلاح، ولم نسمع له من الكلمات إلا كلمات البر والإحسان، ولم نر له من الأفعال إلا أفعال النجدة والإغاثة والإصلاح؛ فحينئذ قد جاء الشيء من معدنه فنقبله.

أما إن كانت الأخرى، فإن حديث النبي صلى الله عليه وسلم يشير إلى ذلك، فإن كان ما نراه ونسمعه من دعوة للإصلاح بتاريخ نعرفه على غير الإصلاح، في أقوال وأفعال وأحوال وعلاقات، فينبغي ألا يغرنا حسن القول، وننسى مثل هذه القاعدة المهمة، على أن حسن الظن وهو مطلوب من المسلمين جميعاً لا ينبغي أن يكون نوعاً من الغفلة والسذاجة التي تضيع بها المصالح، فإن الأمور تنتظم أوائلها مع أواخرها، وتدل أواخرها على أوائلها، وهذه مسألة مهمة.

وثمة ومضات كثيرة لا يتسع لها المقام، أذكر منها بعضاً ليكون لنا عنها حديث آخر بإذن الله عز وجل.

أول ذلك: أن التوفيق الرباني مقرون بالدعوة الإصلاحية بإذن الله، فالإصلاح قرين التوفيق، كما قال عز وجل في شأن الخلاف بين الزوجين والإصلاح بينهما: {إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} [النساء:٣٥] أي: إن صلحت وخلصت النية للإصلاح جرى بإذن الله عز وجل التوفيق.

ودعوة الإصلاح كذلك لها أثر مهم في الأمن والأمان من الهلاك: {فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [هود:١١٦ - ١١٧]، لم يقل: صالحون، بل (مصلحون)، فإذا كان الصلاح والإصلاح في الأمة سارياً فذلك من أسباب درء العذاب عنها بإذنه جل وعلا.

والأساس الأول هو الارتباط بالله كما قال الحق جل وعلا: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ * وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ} [محمد:١ - ٢]، قال ابن كثير في نقله عن المفسرين: (أصلح بالهم) أي: شأنهم أو حالهم أو أمرهم، وقال السعدي: أصلح دينهم ودنياهم، وقلوبهم وأعمالهم، وأصلح ثوابهم بتنميته وتزكيته، وأصلح جميع أحوالهم.

نسأل الله عز وجل أن يصلح أحوالنا، وأن يصلح قلوبنا ونفوسنا، وأن يرشد عقولنا وأفكارنا.

اللهم إنا نسألك التقى والهدى والعفاف والغنى، اللهم اجعلنا بكتابك معتصمين، ولهدي نبيك صلى الله عليه وسلم متبعين، ولآثار السلف الصالح مقتفين.

اللهم إنا نسألك العفو والعافية، والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة، اللهم اهدنا واهد بنا، واجعلنا هداة مهديين يا رب العالمين! اللهم إنا نسألك أن تجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم نلقاك وأنت راض عنا، اللهم زك قلوبنا، وطهر نفوسنا، وأرشد عقولنا، وحسن أقوالنا، وأصلح أعمالنا، وأخلص نياتنا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا.

اللهم اجبر كسرنا، واغفر ذنبا، واستر عيبنا، وأقل عثراتنا، وامح سيئاتنا، وضاعف حسناتنا، وارفع درجاتنا، واجعلنا من عبادك المخلصين، واكتبنا في جندك المجاهدين، واجعلنا من ورثة جنة النعيم.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وارفع بفضلك كلمة الحق والدين، ونكس رايات الكفرة والملحدين.

اللهم من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بخير فوفقه لكل خير، ومن أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسوء فاجعل دائرة السوء عليه، واجعل تدبيره تدميراً عليه يا سميع الدعاء.

اللهم إنا نسألك أن تجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم نلقاك وأنت راض عنا يا أرحم الراحمين، اللهم اصرف عنا الفتن والمحن ما ظهر وما بطن، عن بلدنا هذه خاصة، وعن سائر بلاد المسلمين.

اللهم إذا قضيت فتنة فاقبضنا إليك غير فاتنين ولا مفتونين برحمتك يا رب العالمين.

اللهم انصر عبادك وجندك المجاهدين في كل مكان يا رب العالمين، اللهم ثبت خطوتهم، وسدد رميتهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم أجمعين يا رب العالمين.

اللهم عليك بسائر أعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً، اللهم إنا ندرأ بك في نحورهم، ونعوذ بك اللهم من شرورهم، اللهم خالف كلمتهم، واستأصل شأفتهم، ودمر قوتهم، واجعل بأسهم بينهم، ورد كيدهم في نحرهم، واشغلهم في أنفسهم، اللهم لا تبلغهم غاية، ولا ترفع لهم راية، واجعلهم اللهم لمن خلفهم آية، اللهم يا ذا الجلال والإكرام، يا ذا القوة والجبروت؛ نسألك اللهم أن تنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، يا قوي يا عزيز يا متين.

اللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، وأصلح اللهم أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين! اللهم وفق ولي أمرنا لهداك، واجعل عمله في رضاك، وارزقه بطانة صالحة تدله على الخير، وتحثه عليه يا سميع الدعاء.

عباد الله! صلوا وسلموا على رسول الله؛ استجابة لأمر الله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:٥٦]، وترضوا عن الصحابة الكرام، وخصوا بالذكر منهم ذوي القدر العلي، والمقام الجلي: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وعلى سائر الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.