لابد من الانتقال من الغفلة إلى الذكر، فالنفوس غلب عليها الران، والقلوب اشتدت فيها القسوة، وأظلمت النفوس من كثرة ما تركت من الطاعات والواجبات، ولابد في إصلاح النفس من هذا التذكر؛ فإن أحوالنا اليوم تدعو إلى لفت النظر؛ فإن نفوسنا كأنما هي في نوم بلا يقظة، وتسويف بلا حزم، وابتلاء بلا اعتبار، وكأن القلوب قد عميت، وكأن النفوس قد ركعت، كثير منا في عقول سادرة، وألسن لاغية، وآذان للباطل مصغية، فلا الآيات تُتلى، ولا الأحاديث تُروى، وربما تُتلى وتُروى ولكنها لا تجد آذاناً صاغية، ولا قلوباً واعية، ولا أنفساً متقبلة، ولذا لابد أن ننتبه، قال ابن كثير رحمه الله في قوله عز وجل:{وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}[الذاريات:٥٥]: أي: لا توضع الموعظة في غير أهلها الذين لا يعتبرون ولا يتذكرون بها، والله سبحانه وتعالى قد وصف الغافلين وصفاً ينبغي أن نحذر منه، وصفاً يخلع قلب كل مسلم، ويجعله ينتبه ويرتاع حتى لا يكون من أهل هذا الوصف، وهو قوله سبحانه:{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}[الأعراف:١٧٩]، فهل يرضى أحدنا أن يكون كالأنعام، وأن يكون كأنه لا قلب ولا عين ولا أذن له؛ لأنه لم يعتبر؛ ولأنه لم يتذكر؛ ولأنه ما زال غافلاً؛ ولأنه ما زال في الغي سادراً؛ ولأنه ما زال بالشهوات منشغلاً؛ ولأنه ما زال في الملذات منغمساً؟! هذه صورة -للأسف الشديد- تعمنا إلا من رحم الله، وإذا تذكرنا تذكرنا بقدر الحادث الذي مر، وبقدر النكبة التي مرت ثم عدنا من بعد ذلك إلى غفلتنا لنستمر في نومنا وغينا دون أن نجعل من هذه الأحداث محطات تغيير وأسباب تحول حقيقي دائم نحو ما ينبغي أن تكون عليه أحوالنا، وهذه مسألة مهمة لابد أن نعتبر بها.
كان أسلافنا من أصحاب القلوب الحية، والنفوس المطمئنة ذات التأثر العظيم، ولذلك نسمع من أقوالهم، ونعرف من أحوالهم إذا قرأنا سيرهم ما يلفت نظرنا إلى هذا المعنى، رأى بعض الناس الخوف في وجه أحد السلف فسألوه فقال: ذكرت ليلة صبحها يوم القيامة، وكما قال قائلهم: الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا.
فأديموا المحاسبة، وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، واعتبروا بالأحداث الجارية، قال عز وجل:{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ}[الحديد:١٦]، فهذه صفة قد ذم الله بها أولئك القوم من أهل الكتاب الذين انحرفوا عن نهجه سبحانه وتعالى، فما بالنا نجعل ذلك من صفاتنا وخلالنا؟! نسأل الله عز وجل السلامة.