فهذه بعض نماذج لهذا التغيير، حتى إن الأهداف والطموحات تتغير، فقد كان الأعرابي في الجزيرة العربية قبل الإسلام لا تتجاوز طموحاته الشاة والبعير والرعي، ولم يكن عندهم طموح، وكانت أهدافهم حتى على المستوى المادي محدودة، فكانوا ينظرون إلى ملك كسرى، وإلى ملك قيصر، وإلى من وراءهم من الغساسنة والمناذرة أنهم شيء عظيم لا يمكن أن يرتقوا إليه، ولا أن يتطاولوا معه، ولا أن ينافسوه، لكن لما جاء الإسلام والإيمان تغيرت الأهداف والغايات.
وجاء ربعي بن عامر رضي الله عنه، وهو بملابس رثة، ودخل إلى أبهة الملك ومعه حربته يخرق بها الطنافس، ويرقى إلى أعلى مكان عند العظيم الذي يعظمونه، فيسأل: أي شيء جاء بكم وقد كنتم لا يجرؤ أحدكم أن ينظر إلينا؟! قال: جئنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة.
لقد أصبحوا أصحاب رسالة وغاية، أصبحوا معلمين وأساتذة وقادة بهذا الإيمان.
ومن خلال هذا الإيمان تغيرت الطموحات، فإذا شاب صغير كـ ربيعة بن كعب رضي الله عنه وهو في الرابعة عشرة من عمره يسأله النبي صلى الله عليه وسلم:(سلني ما شئت؟ فيقول: أسألك مرافقتك في الجنة)، تغيرت الآمال والأفكار والطموحات، كل ذلك هو مفهوم الإيمان وحقيقته، ولذلك ينبغي ألا نظن أن الإيمان هو القول، أو نضم إليه العمل فحسب دون أن يكون هناك اليقين الراسخ، دون أن يكون هذا التغيير الشامل، دون أن يكون هذا التحول الجذري الذي يتناول جميع مظاهر الحياة، ينبغي أن نأخذ هذا الإيمان من هذا المفهوم العظيم.