[حكم التحالف مع غير المسلمين فيما لا يتعارض مع الإسلام]
ومسألة أخرى تنظم في هذا أيضاً، وهي جواز التحالف مع غير المسلمين فيما لا يتعارض مع الإسلام وفيما يحقق مصلحة الإسلام، وفيما لا يقع به مضرة على المسلمين ولا تنازل عن أحكام الإسلام، والنبي صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية -وهو الذي كان سبباً لفتح مكة- كانت قد دخلت خزاعة في عهدها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت حليفة له، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جعل خزاعة عيبة نصحه، أي: يثق بهم لما علم من صدقهم في جوانب تعاملهم معه، فعاهدهم وحالفهم، وكانوا معه عليه الصلاة والسلام.
إلا أن ذلك لا ينبغي أن يكون عن ضعف أو ذل أو هوان للمسلمين، ولا ينبغي أن يكون فيه إعطاء دنية في الدين، ولا ينبغي أن يكون ذلك على حساب مصالحهم وتحقيق أمور دينهم، فضلاً عن أن يكون ذلك تغييراً في أساسيات وثوابت من شرع الله عز وجل، سواء ثبتت في كتاب الله أو في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ونحن نرى اليوم من يحتجون بالآيات القرآنية، لكنهم لا ينزلونها تنزيلها الحقيقي الصحيح، ولا يطبقونها التطبيق العملي الذي كان أنموذجه الأمثل في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم:{وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا}[الأنفال:٦١] لكن الله جل وعلا يقول: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}[آل عمران:١٣٩] والنبي صلى الله عليه وسلم قد بين في سيرته مثل ذلك، فهذه مواقف بين يدي الفتح، أي: قبل بلوغه.