[الترويج الفاسد للانحلال الخلقي]
يكثر الحديث في ديار الإسلام عموماً عما يسمى بحرية المرأة، وعن تخفيف قيود التقاليد البالية، وعن إلغاء عوامل الكبت، وإطلاق سبل الترقي والتحضر، وكأن القوم عمي لا يبصرون، صم لا يسمعون، قد أصابهم جنون فهم لا يعقلون.
إن هذه المقالات وتطبيقاتها العملية هي التي أدت بالمجتمعات الغربية وبعض المجتمعات الإسلامية والعربية إلى أن بلغت مبلغاً عظيماً في آثار هذه الفواحش.
واستمعوا إلى مقالة رجل يهودي أسس انحراف البشرية وقعد له، بعد أن ذكرت لكم ما قد يقال من الأقوال، يقول فرويد اليهودي عالم النفس الشهير: إن الإنسان لا يحقق ذاته بغير الإشباع الجنسي، وكل قيد من دين أو أخلاق أو تقاليد هو قيد باطل ومدمر لطاقة الإنسان، وهو كبت غير مشروع.
قال ذلك وسار القوم على خطاه، وانتهى الأمر إلى أن يمارسوا الفاحشة مع البهائم بعد أن فشا فيهم شذوذ بممارسة الفواحش بين الرجال والرجال والنساء والنساء.
بل قد وجدت مجموعات من هؤلاء الشاذين في بلاد العرب والمسلمين، وكلما تركنا ما أسماه قيد الدين والأخلاق أو التقاليد فتحت أبواب الشر، وتسهلت أسباب الفساد، وعظم ارتكاب الفواحش، وزاد الخنا والزنا والفسق والفجور، وزاد معه ما في هذه البلايا من رزايا.
ولعلنا ننتبه إلى أمور أخرى أحب أن أربطها بهذا الشأن، فإن الذي يقال وربما يردد من هذه الأمور التي يدعى فيها حرية المرأة، والتي يدعى فيها توسيع دائرة دورها، في أمور نحن نعلم كيف بدأت وإلى أين انتهت، وفي أمور لو أنها كانت قائمة على أحكام الشرع، ومنضبطة بضوابطه، لعلمنا يقيناً أن خواتيمها ليس فيها ضرر، غير أنها تبدأ كما يقال: (أول الغيث قطرة ثم ينهمر): نظرة فابتسامة فسلام فكلام فموعد فلقاء وذلك ما نشهده في كل حال المجتمع، وما نشهده في آحاد الأفراد، انظروا إلى من انحرف أو انغمس في بعض الشهوات والملذات، هل تراه بدأ في الفواحش الكبرى؟ وهل تراه بدأ بالكبائر التي قد عظم الله عز وجل ارتكابها؟ إنه بدأ بأمور يسيرة، وبتجاوزات خفيفة، بدأ بنظر آثم، وترخص في حديث واختلاط مغرٍ، وانتهى إلى خلوة محرمة، ومشى إلى أمور انتهت به إلى ما نحن نوقن بأن بدايته ستكون هذه نهايته قال تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} [الإسراء:٣٢] (لا تقربوا) أي: لا تأتوا دواعيه، ولا تبدءوا بمقدماته، ولا تتساهلوا في أي أمر يتصل به، وقال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} [النور:٣٠]، والخطاب كذلك للمؤمنات قال تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور:٣١].
وإذا جئنا إلى السمع نجد قول الحق سبحانه وتعالى في خطاب أمهات المؤمنين العفيفات المؤمنات: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً} [الأحزاب:٣٢] إلانة القول سبب لفتنة القلب، فكيف بما هو أعظم من ذلك من الضحك والملاعبة والأحاديث الإيحائية الإغرائية وغير ذلك، بل حتى الأنف فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (أيما امرأة خرجت متعطرة يجد الرجال ريحها تلعنها الملائكة حتى ترجع)؛ لأن لذلك أثراً وتأثيراً، وكل الجوارح والحواس مفضية إلى القلب ومؤثرة فيه.
وكنت متى أرسلت طرفك رائداً لقلبك أتعبتك المناظر رأيت الذي لا كله أنت قادر عليه ولا عن بعضه أنت صابر النظرة سهم من سهام إبليس، العينان تزنيان وزناهما النظر، وكل جارحة لها زناها.
وبعد هذا البيان القرآني الرباني هل ينكر علينا وعلى كل مؤمن غيور أن يذم، وأن ينتقد، وأن يحرم بتحريم الله عز وجل وتحريم رسوله صلى الله عليه وسلم ما يبث على الفضائيات من الغناء والرقص والتبرج والعري، الذي أجزم يقيناً أنه من الأسباب المؤدية إلى الوقوع في هذه الفواحش، والداعية إليها، والمرغبة فيها، والمؤججة للغرائز والمشاعر ونحوها، والمسهلة لارتكابها، والمهونة لشأنها، والتي تعرضها كأنه ليس فيها آيات محرمة ولا أحاديث مؤثمة، بل تعرضها على أنها من صور التحضر والفنون الراقية؟! وأقول هذا لأخاطب إخواني المؤمنين لينتبهوا لأنفسهم ولأبنائهم ولبناتهم، فإن أول الغيث قطرة ثم ينهمر، ولأن أول الخطايا والفواحش إنما هي صغائر لا يكاد المرء يلتفت إليها: لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى