[سبب تعاظم التخوف من الظاهرة الإسلامية في الآونة الأخيرة]
نقف عند نقطة مهمة وهي: لماذا تعاظم هذا التخوف بشكل أكبر في العقد الأخير أو قبله بقليل من الظاهرة الإسلامية؟
الجواب
في تصوري أن هناك بعض الملامح المهمة لهذا الجانب: أولها وأهمها هو: انتقال الطرح الإسلامي عبر مراحل كثيرة وظروف متغيرة، من كونه قضايا فكرية، أو تطبيقات عملية لدى فئة محدودة من أبناء العمل والحركة الإسلامية إلى كونه قضيةً شعبيةً دخلت في هموم الناس وحاجاتهم اليومية، أقصد: تحول الإسلام إلى ظاهرة شعبية في المجتمعات الإسلامية، وهذا أحد أبرز المعالم للتخوف المتنامي في الفترة الأخيرة، والتمثيل بذلك يظهر من خلال بعض الشواهد البسيطة القريبة التي ربما كانت أيضاً موضع تنبه عند كثير من هؤلاء القوم.
ففي الجزائر في فترة مضت كانت هناك مظاهرة نسائية خرجت فيها ثلاثة آلاف امرأة يطالبن برسمية أو شرعية البغاء! ثم كان الرد الإسلامي بمظاهرة نسائية إسلامية متحجبة تطالب بنظام الإسلام للمرأة المسلمة، وكان المقابل من ثلاثة آلاف إلى نحو ما بين سبعمائة وخمسين ألفاً إلى مليون امرأة مسلمة! وطبعاً هذه القدرة على هذا التحريك الشعبي في صورة عملية واضحة -وليست مجرد خطابات وشعارات- أحد أبرز المعالم المهمة في هذا الجانب؛ ولذلك أيضاً نجد كثيراً من الكلام يتركز حول هذه الشعبية، بل حتى حول أساليبها البسيطة أو المحددة، فنجد الكلام على حرب الأشرطة أو حرب الكاسيت، وأنه أحد الأساليب الترويجية الشعبية التي نقلت كثيراً من المفاهيم والأفكار بشكل قوي ومتشعب في هذه الجوانب.
ونجد أيضاً أول نقطة من النقاط التحولية التي زادت من التخوف من الإسلام هي: انتقال العمل أو الصورة الإسلامية من فئة مجموعات وجماعات إلى فئات شعبية واسعة المدى وعريضة النطاق.
الجانب الثاني -وهو قريب لكنه يحتاج أن يكون منفصلاً-: النماذج العملية للتطبيقات الإسلامية في ميادين الحياة، بمعنى: أن العمل الإسلامي والإسلام كان في الفترة الماضية يُؤكد على شموليته، ويُؤكد على ضرورة معايشته لواقع الناس واحتياجاتهم، ولما بدأت الصور العملية لذلك كانت أحد أبرز المعالم لقوة التيار الإسلامي، وبالتالي أحد أبرز المعالم للتخوف الكبير من هذا الإسلام القادم.
وأضرب لذلك أمثلة: في بعض الجوانب المحددة مثل الاقتصاد والإعلام على وجه الخصوص، نأخذ نموذج شركات توظيف الأموال في مصر، حينما بدأت هذه الشركات تجعل لها منطلقات إسلامية وتعاملات إسلامية نجحت نجاحاً قوياً في ناحيتين مهمتين: الأولى: الناحية الاقتصادية التي هي أساسها.
الثانية: الناحية التي تتولد منها، وهي ربط الناس، وقوة ميلهم وارتباطهم كمبدأ وفكرة بهذه الاتجاهات العاملة في هذا الميدان، حتى إن هذه الشركات كان لها دور في دعم الاقتصاد للدولة نفسها، لكن تنامت الصيحات التحريرية من هذا تنامياً مباشراً، ثم كانت الصور العملية في محاربتها: ما بين غمضة عين وانتباهتها يغير الله من حال إلى حال حيث إن دولة كاملة بأجهزتها وأنظمتها تكتشف بعد مضي سنوات أن هذه الشركات كانت مدلسة، وكانت سارقة، وكانت مخالفة للأنظمة! مما يدل على أن القضية إنما هي صدىً لهذا التخوف والتحذير.
وكذلك في جانب الإعلام، والجهود الإسلامية فيه لا تزال محدودة في مجلات أو نشرات، لكن مع ذلك هي أحد مؤشرات الخطر الكبير؛ لأنها تحقق النقطة الأولى، وبها يكون هناك تواصل بين العمل الإسلامي والمسلمين بشكل عام وبين الشعوب الإسلامية عبر قنوات لا تكون محدودة؛ ولذلك نجد أيضاً أن هناك الحرب والتخطيط لإيقاف وتعثير المجلات والصحف الإسلامية باستمرار، خاصةً في الديار الإسلامية، وما ذلك إلا لهذا السبب، حيث تجد أن بلداً تصدر فيه ربما العشرات والمئات من الصحف والمجلات، ثم تقوم الدنيا وتقعد على صحيفة محدودة الإمكانات، قليلة الصفحات لأنها تهتم بهذا الجانب وهذه القضية على وجه الخصوص.
إذاً: هذا جانب، والأمثلة العملية التي طُبقت وبدأت تستحوذ على الناس جانب آخر.
الجانب الثالث هو: ظهور الصورة العملية لاحتياجات الناس اليومية، وإن كانت هذه قريبة منها، لكنها أيضاً تكون مستقلة، ففي أول فوز للإسلاميين بالانتخابات في الأردن أجريت عدة مقابلات للبحث عن سر هذا الأمر، وكان إحدى هذه المقابلات مع إحدى المرشحات من غير الاتجاه الإسلامي، وأحد الأسباب التي ذكرتها أنها قالت: نجاح العمل الإسلامي في إعطاء الناس احتياجاتهم اليومية، فهناك عندهم- أي: عند الإسلاميين- المشاريع الصحية، والمشاريع التعليمية التي ليست كيانات كبيرة، وإنما تلامس واقع الناس.
وهذا أيضاً أحد أبرز المعالم التي تُستهدف وتُقصد بالعداء مباشرة، ويحصل نوع من التحوير وإقامة العثرات في سبيلها وطريقها، وهي أيضاً كثيرة.