والثالثة التي نختم بها حديثنا بعد المحبة والحماسة: مسألة الغيرة: وهذه للأسف أيضاً مشكلاتها كثيرة، وأعني بها غيرة التنافس في ميادين الدعوة، فإن بعض الدعاة قد يغار أو يغضب من إخوة له يحبون الخير، ويسعون له، ويسيرون في طريقه، ويرغبون الناس فيه، لكن اجتهادهم يخالف اجتهاده، فإذا رأى الناس أقبلوا عليهم دونه أو اقتنعوا بفكرتهم وأسلوبهم دونه إذا به تشتعل في نفسه غيرة هي عاصفة في الأصل قد تكون محمودة إذا أخذناها على غرار التنافس في طور قول الله عز وجل:{وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ}[المطففين:٢٦]، وهكذا إذا أخذناها على أنها تكامل لا تصادم، وتعاون لا تراشق، وقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام بقوله:(إن الشيطان قد يئس أن يعبد في أرضكم هذه ولكن في التحريش بينكم)، وإذا بهذه الغيرة تتحول إلى نوع من البغضاء أو الشحناء، وتؤدي إلى صور كثيرة نراها في بعض الواقع الدعوي، في صور من الواقع الدعوي لا تخطئها العين.
من هذه الصور: التنافر والبعد، ونحن نعلم أن المسلم أخو المسلم، وينبغي أن تربط بين المسلمين أخوة الإيمان، فإذا كان أولئك المسلمون دعاة، فأمر أخوتهم ومحبتهم ينبغي أن يكون آكد وأقوى، فما بالنا نرى عوام الناس من كبار السن من آبائنا وإخواننا الكبار أو أجدادنا وأمهاتها من العجائز في قلوبهم من الصفاء والألفة والمحبة ما نفتقده بين شباب نذروا أنفسهم للدعوة، أو نصبوا أنفسهم للدعوة، أو رفعوا راية الدعوة؟! إنه أمر لا يمكن أن يكون مقبولاً في ميزان الشرع ولا في منطق العقل.
والصورة الثانية: مرحلة أخرى وهي: التحذير والتشويه، حيث لا يكتفي بأن ينفر منهم، بل يحذر الآخرين منهم، ويشوه صورتهم، وهذا لا شك أنه فساد في الطوية واختلال في النية، وسأذكر بعض الأسباب التي تبين هذا، لكن هو يشكل صورة لنفسية مريضة لم تتغذ بغذاء الإيمان، ولم تتطهر بطهارة الإسلام.
الصورة الثالثة: تجاوز الحدود الشرعية في أمر ذلك التحذير أو النفرة أو التعامل عموماً، فإذا به يستخدم التورية كما يزعم ليصرف الناس عمن يزعم أنه على باطل، ثم إذا بالتورية تغدو كذباً صريحاً، بل يتجاوز الأمر إلى إحكام الكيد وتدبير المؤامرات وتلمس العيب وتتبع الأخطاء، وتجاوزات شرعية ليس لها آخر كما يقولون.