أخيراً بالنسبة لأمتنا بعد ذواتنا أمر مهم، وهو التوحد والولاء، التوحد بين أبناء الإسلام {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}[الحجرات:١٠]، ورسول الهدى صلى الله عليه وسلم يضرب لذلك أمثلة كثيرة، فنقول:(مثل المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا)، وعند البخاري في الأدب المفرد:(المؤمن للمؤمن كاليدين تغسل إحداهما الأخرى)، إلى ما هو معلوم من هذه الأحاديث، أمة تجتمع من كل صقع، وبكل لون، ومن كل لغة، على صعيد واحد، بهتاف واحد، ومشاعر واحدة، وخطوات ومسار موحد، ثم بعد ذلك تفترق صفوفها، وتختلف قلوبها، وتتنافر نفوسها، وتتباعد آراؤها، أنى يكون ذلك؟ إن مثل هذه الأيام العظيمة والفريضة الجليلة أعظم ما ينبغي أن نخرج به من فضلها هو هذا التوحد والولاء لأهل الإيمان والإسلام {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}[الأنبياء:٩٢]، ينبغي أن ندرك أن الإيمان والإسلام لا يتحققان فقط بمجرد أداء الصلوات والزكوات فحسب، وإنما بالاصطفاف وراء أمة الإسلام، والنصرة لها، والولاء لأهلها، والبراء من أعدائها، والتخلص والتبرؤ من كل جاهلية وكفر وشرك يخالف أمر الله عز وجل {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا}[آل عمران:١٠٣]، ذلك هو فضل الله عز وجل بهذا الإيمان والإسلام، حول المفترقين إلى مؤتلفين، والمختلفين إلى متفقين، والمتناثرين إلى متوحدين، حول أمة في بقاع الأرض وأصقاعها المختلفة إلى أمة واحدة لا تفصلها الحدود، ولا تحول بينها الحواجز، كان قائلها يقول الكلمة فتتجاوب الأمة من أقصاها إلى أقصاها، ويوم صاحت امرأة:(وا معتصماه)، سير الخليفة جيشاً أوله عند العدو وآخره عند المسلمين وانتصر لها، ويوم صاحت امرأة في بني قينقاع وفي سوقهم تنتصر انتصر لها محمد صلى الله عليه وسلم والصحب الكرام، وأخرجوا اليهود الذين فعلوا تلك الفعلة النكراء.
وهكذا ينبغي لنا أن ندرك أن حقيقة الانتماء للأمة الإسلامية وللإيمان والإسلام ينبغي أن يكون بالقلب والنفس والفكر مرتبطاً بهذه الأمة، يحزننا ما يحزنها، ويؤلمنا ما يؤلمها، ويفرحنا ما يفرحها، ولا نكتفي بحدود المشاعر، بل نتقدم لتحقيق معنى الولاء بعد المحبة بالنصرة بكل وسيلة ممكنة، وذلك من دروس هذه الوحدة في الفضيلة والفريضة.
نسأل الله عز وجل أن يردنا إلى دينه رداً جميلاً، وأن يبصرنا بعوج أنفسنا، وأن يفقهنا في ديننا، وأن يمن علينا في هذه الأيام الفاضلة بتعظيم الأجر، ومحو الوزر، وإدراك الفضل، إنه ولي ذلك والقادر عليه.