[اقتداء الصحابة رضوان الله تعالى عليهم برسول الله في البذل]
ولذلك أخذ الصحابة من الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الخصلة العظيمة؛ خصلة البذل في سبيل الله عز وجل بكل صوره وأشكاله، فإذا بالصحب الكرام باذلون في سبيل الله عز وجل أموالهم وأوقاتهم وعلمهم ودعوتهم وأنفسهم التي بين جنوبهم، فهذا مثل عظيم من الأمثلة التي فيها أروع صور البذل لفرد واحد من مدرسة النبوة العظيمة: وهو أنس بن النضر رضي الله عنه، وذلك عندما لم يتهيأ له أن يشهد بدراً، خرج في أحد وقال:(ليرين الله ما أصنع).
وهذا تهييج للنفس، وقطع للأمل، وإعلان للبذل في سبيل الله عز وجل، فلما دارت الدائرة وشاع في الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل، فقال:(فعلامَ الحياة من بعده؟ موتوا على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم)، ثم مضى منطلقاً يخترق الصفوف، ويعانق السيوف، ويدخل بين أهل الكفر، يجندل منهم يميناً وشمالاً، وهو يقول:(واهاً لريح الجنة، والله إني لأجد ريحها دون أحد).
وانظر إلى بذل الصديق رضي الله عنه الذي سخر ماله كله خدمة لدين الله ونصرة لدعوة الله، فإذا به يعتق الأرقاء ممن أسلموا في مكة، وإذا به يجهز موكب الهجرة، وإذا به في يوم تبوك يأتي بماله كله، فيقول له النبي صلى الله عليه وسلم:(ما أبقيت لأهلك يا أبا بكر؟ فيقول: أبقيت لهم الله ورسوله)، هكذا كان الصحب الكرام رضوان الله عليهم.
وهذا عمر الفاروق كان من أعظم الباذلين من صحب النبي صلى الله عليه وسلم، فقد بذل من مشاعره رحمة وشفقة ورعاية لأمة محمد عليه الصلاة والسلام، فكان يسأل عن صغيرهم، ويتحرى شأن كبيرهم، وينظر في كل شئونهم، ولا يطمئن له جنب ولا تغمض له عين إلا أن يبذل كل ما يستطيع من طاقة وجهد نصحاً لأمة الإسلام والمسلمين، وحرصاً على مصالح المسلمين.
وهكذا كان الصحب الكرام رضوان الله عليهم يضربون الأمثلة، والمقام يضيق عن ذكر الأمثلة فضلاً عن الإحصاء أو الاستقصاء.