إننا نقول هذا، ويأتينا من يقول: إن مثل هذا القول تشدد في غير محله، بل بعضهم يعده تطرفاً عن الاعتدال والوسطية التي يفهمونها فهماً غير صحيح، بل ربما يرجم بعضهم رجماً أعظم فيقول: إن قائل هذا من أهل الإرهاب والغلو ونحوه، فأي شيء يريدون أن يبقوا لنا من ديننا، ومن عفة وحياء بناتنا، ومن شرف ورجولة أبنائنا، ومن حصانة ورقي وحفظ مجتمعاتنا؟ إنها السدود التي تبدأ بخرم صغير يتسرب منه الماء قليلاً، ثم يتشعب وينصدع ذلك السد، ثم لا يلبث -عياذاً بالله- أن يخرق فيه خرق يتسع على الراقع، ويوشك من بعد أن ينهد السد، وأن يفيض الطوفان، أن يغرق كل أحد حتى من لم يكن سبباً في ذلك.
ولنستحضر حديث أم المؤمنين رضي الله عنها عندما تعجبت وسألت سيد الخلق صلى الله عليه وسلم:(أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث)، قول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، ويوم يقول المؤمنون ذلك في هذه الأيام، ويربطون بين ما يحصل من البلاء وما يقع من المعاصي يتهمون بأنهم حمقى ومغفلون، وسيد الخلق صلى الله عليه وسلم وهو يبين هذه المخاطر يقول:(والله لتأمرن بالمعروف، ولتنهن عن المنكر، ولتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطراً، أو ليسلطن الله عليكم شراركم، فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم)، أو ليس قد ذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أو ليس القرآن قد نص عليه بقوله جل وعلا:{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ}[الروم:٤١]؟ فهل تعليل القرآن وتحليل المصطفى النبي العدنان صلى الله عليه وسلم باطل ولغو؟ حاشا الله عز وجل أن يكون كذلك، فتنبهوا لمثل هذا، وانظروا إلى تشريع الإسلام الحكيم الضابط في كل جانب من هذه الجوانب، وكيف جعل بين الحلال والحرام أموراً تكون بمثابة الوقاية والحماية، وكلكم يحفظ حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:(الحلال بين، والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات يوشك أن يقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه)، ابحث في حياتك كل أمر من المعاصي الواضحة ارتكبته فانظر إلى الخلف قليلاً فإنك واجد أموراً من المشتبهات، وأموراً مما فيه قليل أو يسير من المحرمات كان هو طريقك إلى هذا، فاقطع الطريق من أوله، واقطع على الشيطان وسواسه، فإن ذلك مؤذن بما هو أخطر.
ولعلي -وأنا أذكر ذلك- أستحضر حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي رواه ابن ماجة في سننه منفرداً به، ورواه الحاكم وصححه في قوله عليه الصلاة والسلام:(خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم)، وهذا هو الواقع ينطق ويشهد بما أخبر به سيد الخلق صلى الله عليه وسلم.
ولاشك أن كل معصية ومخالفة هي سبب لحصول سخط الله عز وجل وغضبه، وما أدراكم ما غضب الحق جل وعلا، في قصة موسى عليه السلام مع فرعون لما طغى وبغى وتجبر وتكبر قال الله جل وعلا في شأنه وشأن من تبعوه:{فَلَمَّا آسَفُونَا}[الزخرف:٥٥] أي: أغضبونا، {فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ * فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلآخِرِينَ}[الزخرف:٥٥ - ٥٦].
ويكفينا كذلك ما جاء في القرآن في قصة قوم لوط وفي أوصافهم فيما ارتكبوه من الشذوذ الذي فشا في دنيا الناس اليوم والعياذ بالله، كل وصف قبيح، وكل سمة رذيلة ذكرت عن هؤلاء في القرآن:{بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ}[النمل:٥٥]، {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ}[الشعراء:١٦٦]، {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ}[الأعراف:٨١] وفي دعاء لوط عليه السلام: {قَالَ رَبِّ انصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ}[العنكبوت:٣٠]، وفي قوله كذلك:{فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ}[الأعراف:٨٤]، وعنهم قال الحق جل وعلا:{لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ}[الحجر:٧٢]، وخاطبهم لوط فقال:{أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ}[هود:٧٨] الفاعلون لهذه الفاحشة قوم عادون، مفسدون مجرمون في الغي سادرون، ليس لهم عقل ولا رشد.
وتأتينا العقوبات والحدود الإلهية من جلد الزاني غير المحصن، ورجم الزاني المحصن، وقتل من يفعل فعل قوم لوط، فيقولون لنا: إن هذه عقوبات ليست إنسانية، وتتعارض مع حقوق الإنسان، ولا يدركون أنهم يقتلون الإنسان بالملايين، ويفعلون ذلك عن سبق علم وإصرار كما يقال، حتى بلغت الوفيات بمثل هذه الأعداد المذهلة والأسباب المباشرة هي هذه الجرائم والفظائع والفواحش، وهكذا نجد أن الله عز وجل قد آتانا في الإيمان والإسلام والشرائع والأحكام ما يحفظ نقاء القلوب، وشرف النفوس، ورشد العقول، وسلامة الجوارح، وطهارة المجتمع، وعفة ورفعة الأخلاق، فإذا تنكبنا نهج ربنا، وخالفنا هدي رسولنا فلنؤذن بما قدره الله عز وجل من البلاء والهلاك، نسأل الله عز وجل السلامة.
اللهم جنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، واصرف عن بلاد الحرمين كل سوء ومكروه يا رب العالمين! أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.